نحن الذين نزعم أننا أحرار في أراضينا، نحن الذين نأكل ونشرب كالأنعام، نحن الذين نقابل شاشات التلفاز نتابع تضحياتهم ودماءهم ونسمع بكاءهم وعويلهم... ولا يتحرك فينا ساكن: هل نحن الميتون أم هم؟
ملوكنا ورؤسائنا وأمراؤنا الذين يرتعدون خوفا من ذكر اسم الكيان الإسرائيلي، الذين يتوددون لأصدقاء أصدقاء الصهاينة حتى يُرضوهم فلا ينقلبوا ضدهم ويقلبوهم أو يبعدوهم عن الحكم أو يقتلونهم.. هل هم الأحياء، أم الفلسطينيون الذين يتحدّون ألوية الجيش الإسرائيلي ومخابراته وطائراته وأقماره الصناعية وحلفائه ويرفضون الخنوع والخضوع لشروطه في عزة وكرامة قلَّ ما سجل مثلها تاريخنا المعاصر؟
علماؤنا الذين أفتوا بالجهاد في ليبيا ودمشق والعراق وقبلها في أفغانستان والشيشان وسكتوا اليوم عن فلسطين والقدس وغزة وكأنهم لم يوجدوا: هل هم الميتون أم أبناء غزة والقدس ونابلس ورام الله والخليل وحيفا الذين يرفعون اليوم راية النصر وتحرير أولى القبلتين، غير آبهين بسكوت من سكت وحديث من تحدث بالأمس واليوم أو سيتحدث غدا وبعد غد؟
من الميت حقا ومن الحي؟
هل غزة كانت بالأمس حية لنتكلم اليوم عن فظاعة الموت فيها؟
أم أن غزة كانت بالأمس ميتة وعلينا أن نتكلم اليوم عن عودة الروح إليها من تحت أقدام شهدائها؟
هل غزة كانت بالأمس آمنة حتى نتكلم اليوم عن اللاأمن بها؟
هل غزة كانت غير مدمرة حتى نتكلم اليوم عن تدميرها؟
هل أبناء غزة كانوا بالأمس أحرارا في وطنهم حتى نخاف عليهم من الأسر، أم هم اليوم المحررون، وقد وقع أبناء عدوهم بين أيديهم في الأسر؟
وهل القدس ورام الله ونابلس والخليل وحيفا ويافا وكل مدن فلسطين الأخرى كانت جميعها بالأمس محررة لنخاف اليوم أن تحتل؟
لِمَ الحديث عن الدّمار والموت والخراب اليوم، بدل الحديث عن الحياة والنصر والفرح؟
ألم نكن أثناء ثورتنا التحريرية نزغرد لأبنائنا وآبائنا وأخواتنا وأمهاتنا وأطفالنا عندما يستشهدون في سبيل الله والوطن؟
ألم تُحيي فينا بطولات الشعب الفلسطيني اليوم في غزة وكل أرض فلسطين، كل هذا؟
لِمَ نَبكيها إذن؟
أليس علينا أن نفرح بها، ونشارك الشهداء فرحتهم بالشهادة، ونقرأ بعمق أكبر معنى الفرح في قوله تعالى واصفا إياهم:
“وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ” (آل عمران 169ـ 170)
صدق الله العظيم