فشلت حكومة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومعها المجموعة العربية في الأمم المتحدة، في إصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي يقضي بانسحاب قوات الاحتلال “الإسرائيلي” من الأراضي العربية المحتلة قبل نهاية العام ،2017 بسبب استخدام الولايات المتحدة الأمريكية الضغوط السياسية والاقتصادية للحؤول دون تمريره وعدم حصوله على تسعة أصوات .
فور ذلك، لجأت السلطة الفلسطينية - وبصفتها دولة تتمتع بالعضوية المراقبة في الأمم المتحدة، إلى تقديم طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي . والمحكمة بدأت العمل في العام 2006 بموجب اتفاقية دولية أقرَّها المجتمع الدولي في العام 1998 في إيطاليا، وعرفت ب “نظام روما” . لا تقبل المعاهدة في عضويتها إلاَّ الدول العضوة في الأمم المُتحدة .
أهمية انضمام السلطة الفلسطينية إلى عضوية محكمة الجنايات الدولية الدائمة، تبرز من خلال مجموعة من العوامل التي تُعطي قوة للموقف الفلسطيني، وتُحرج موقف العدو “الإسرائيلي” الغاصب، وتُضعفه أمام المجتمع الدولي، كما تُربك أفراد جيشه المُحتل، من ضباط وأفراد، لأن مُساءلتهم عن ارتكاباتهم الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني أصبحت مُتاحة أمام القضاء الجنائي الدولي . هذا القضاء الذي أفلح في سوق مُجرمي الحرب في سيراليون ويوغسلافيا السابقة ورواندا، ولم يلاحق قط المجرمين “الإسرائيليين” رغم أن ارتكاباتهم لا تقلُّ وحشيةً عن ارتكابات مسؤولي هذه الدول، إذا لم تكُن أشدُّ فظاعةً .
لماذا لم يلاحق القضاء الجنائي الدولي مجرمي الحرب “الإسرائيليين”؟ وما الذي سيتغير بعد انضمام فلسطين لعضوية المحكمة؟
المادة 13 من نظام محكمة لاهاي، أو ما يُطلق عليه “نظام روما” تُحدِّد آلية تحريك الدعوى أمام المحكمة، وتحصرها بثلاث طُرُق: إما من خلال إحالة إلى مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع، كما حصل في يوغسلافيا السابقة وفي دارفور في السودان وإما من خلال دعوى تتقدَّم بها دولة عضو في نظام المحكمة عن جرائم ارتُكِبت على أراضيها، وإما من خلال تحريك المُدعي العام في المحكمة لدعوى بناءً على معلومات حصل عليها من مصادر مختلفة . الاعتداءات “الإسرائيلية” الإجرامية لم يُحلها مجلس الأمن إلى المحكمة لأسباب معروفة، خصوصاً بسبب الانحياز الأمريكي إلى جانب “إسرائيل” والمُدعي العام لم يُحرك أي ساكن ضد قادة الجيش “الإسرائيلي” على ارتكاباتهم في غزة والضفة وجنوب لبنان .
المُتغيِّر الأساسي بعد انضمام السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ أنه أصبح بإمكان الحكومة الفلسطينية تقديم دعوى ضد الارتكابات “الإسرائيلية” أمام المحكمة، وبالتالي يُصبح جائزاً ملاحقة العسكريين “الإسرائيليين” وقياداتهم بشكل شخصي أمام القضاء الجنائي الدولي الذي لا يُراعي أبداً الحصانة الوطنية التي تفرضها القوانين المحلية على المسؤولين والرؤساء، وعلى القيادات العسكرية في الجيوش وقوات الأمن الداخلي .
والمسؤولية الجزائية أمام القضاء الدولي تقع على الأفراد مباشرةً، والدول تتحمل مسؤولية مدنية فقط عن أفعال مسؤوليها وفقاً لما تنصُّ عليه المادة 3 من اتفاقية لاهاي الرابعة للعام 1907 التي ما زالت نافذة . والمادة الخامسة من اتفاقية روما للعام 1998 التي أُنشئت بموجبها محكمة لاهاي، تنصُّ على اختصاص المحكمة في معاقبة مُرتكبي الجرائم الدولية الخطرة التي تُشكلُ نوعاً من أنواع التهديد للسلم العالمي، وهي: جرائم الحرب، لاسيما احتلال أراضي الغير، واستخدام الأسلحة المحرَّمة، وجرائم الإبادة الجماعية، وهو ما تفعله “إسرائيل” بحق مجموعات واسعة من الشعب الفلسطيني، والجرائم ضد الإنسانية، لاسيما التي لا تُراعي الخصوصية البشرية، والتي تطال العزَّل والأطفال والنساء، وأخيراً فإن اختصاص المحكمة يشملُ أيضاً محاكمة مرتكبي جرائم العدوان، التي لم يتم الاتفاق على تحديدها حتى الآن، ولكن بطبيعة الحال فإن العدوان “الإسرائيلي” على الشعب الفلسطيني قائم، وموثَّق، على اعتبار أنه شعب أعزل من السلاح، وجيش الاحتلال مُدجَّج بأحدث الاسلحة .
الإدارة الأمريكية احتجَّت على طلب الانضمام الفلسطيني للمحكمة، وهددت بقطع المعونات عن الشعب الفلسطيني . والحكومة “الإسرائيلية” امتعضت من الإجراء الفلسطيني أيضاً، وأوقفت تسليم السلطة الفلسطينية مئات ملايين الدولارات التي تُجبيها كعائدات جمركية من الواردات الفلسطينية عبر موانئها، وهدد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإعداد ملفات جنائية ضد القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة وفي الشتات .
هذا الاضطراب “الإسرائيلي” الذي أحدثتهُ الخطوة الفلسطينية المُتقدِّمة، يؤكد بما لا يرقى إليه أي شك؛ بأن قوات الاحتلال “الإسرائيلي” ترتكب جرائم واضحة ضد الشعب الفلسطيني، وتنطبق قوانين المُساءلة الجنائية الدولية على أفعالها الشنيعة .
أمَّا الإدارة الأمريكية فقد أكدت من خلال موقفها المؤيد لسلطات الاحتلال “الإسرائيلي” الإنحياز إلى جانب المُعتدين، وضربت عرض الحائط قواعد القانون الدولي، لاسيما القانون الدولي الإنساني الذي يحمي المدنيين أثناء فترة الحروب، والواقعين تحت الاحتلال . وهي بهذا الموقف التهديدي الذي أعلنته ضد السلطة الفلسطينية، تُشجع العدوان، وتحمي المُجرمين، وتُساهم في إحلال الفوضى مكان الانتظام الدولي العام .
الخميس 15 كانون الثاني (يناير) 2015
ماذا تعني عضوية فلسطين في الجنائية الدولية؟
الخميس 15 كانون الثاني (يناير) 2015
par
د. ناصر زيدان
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
18 /
2183305
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
24 من الزوار الآن
2183305 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 23