السبت 12 شباط (فبراير) 2011

معركة ميدان التحرير: معركة الكرامة والحرية والقدس

السبت 12 شباط (فبراير) 2011 par نوال السباعي

انكشفت بوادر الثورة المصرية الشعبية، عن حقيقة صارخة، أسقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورة النظام، ومن شابهه من أنظمة، حقيقة تتجلى في أن الجولة الدائرة الآن في ميدان التحرير، ليست جولة بين طلائع الشعب المصري الأبية، مع فلول نظام مجرم عميل، ولكنها جولة الشعب المصري ومن ورائه الأمة مع العدو الإسرائيلي في تل أبيب، ومن ورائه ولية أمره الولايات المتحدة الأمريكية، وبقية الأنظمة العربية، ومن يسمون أنفسهم بالمجتمع الدولي، ممن فقدوا كل مصداقيتهم في شوارع تونس، واحترقت شرعيتهم عندما احترق البوعزيزي قهرا.

تكاد تكون متطابقة، الخطوات التي قام بها الرئيس التونسي بن علي قبل تخليه عن السلطة، مع الخطوات التي اتخذها النظام المصري في وجه الانتفاضة، التي انقلبت بفعل أساليبه الوحشية والقذرة إلى ثورة شعبية: سحب قوى الأمن من مهامها في حماية البلد والمواطنين، فتح السجون ليخرج منها آلاف المجرمين ويعيثوا فسادا، إفلات “عشرات الآلاف” – في الحالة المصرية- من “كلاب السلطة” المسعورة، لتقوم بأعمال النهب والترويع، حرق مرافق الدولة وممتلكات الشعب، إطلاق حرب نفسية إعلامية هائلة، بهدف إحداث بلبلة في صفوف الشعب، لعله يؤوب إلى هذا “الأب” الجبار العاتي، طالبا منه السماح والرضا، ويدخل تحت عباءته من جديد، ليقدم له الأمن!. إنها خطة حرب، في ساحة حرب، إنها إستراتيجية الانسحاب والأرض المحروقة، إنه التعامل مع الشعب على أنه العدو في جبهات القتال!!

ولكن عن أي أمن نتحدث؟، الأمن في ظل عصابة السراق القتلة، الذين تركوا البلاد قاعا صفصفا!، هل هذه العصابة هي التي ستكف كلابها المسعورة المأجورة عن الولوغ في دماء الشعب، مقابل “الأمن”؟! أمن المواطن في بيته – هذا إن وجد بيتا يؤويه-.. صامت ذليل لا يجد رزق يومه ولا يجد جوابا على أي تساؤل!!، أمن الإنسان عندما يعامل معاملة الطفيليات وليس الحيوانات، فيعيش في المقابر ومقالب الزبالة!!، أمن الشباب الذي لا يجد عملا ولا زواجا ولا مالا ولا مستقبلا، فيهيم على وجهه في الأرض هجرة وعنتا.

فروق مهمة بين الثورة التونسية والثورة المصرية، من حيث تركيبة المجتمع، ومستوى ثقافته، والتزامه الأخلاقي والتنظيمي، وعدد السكان، ونسبة الأمية التعليمية أو الثقافية، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، والدور الإقليمي والتاريخي، وبين النظامين في كل من تونس ومصر، فالرئيس زين العابدين، أثبت بحق أنه زين الطغاة العرب، فلقد خرج يتحدث إلى شعبه، بلغة الأب المتجبر الذي أدرك بعد فوات الأوان أنه فقد أبناءه بسبب استبداده وبطشه، في محاولة إثر محاولة لاسترداد مكاسبه وموقعه، كما أنه تمتع ب“فهم” استثنائي!! فإن تفهم شعبك بعد ثلاثة وعشرين عاما من الاستبداد على الطريقة العربية المعاصرة، فهذا أكثر مما كنا ننتظر!! لقد استطاع الرجل أن يفهم أخيرا، وبلهجة أبوية وفي تواضع، بينما لم يستطع الرئيس المصري غير أن “يعي” -كما قال- مطالب الشعب، كان يتحدث إلى شعبه حديث المرغم على تقديم التنازلات – ربما لأنه لم يجد بلدا واحدا في العالم يرضى بإيوائه، لقد سبقه بها بن علي!!-، ولقد ألقى كلمته تلك، ووجهه يطفح بالتكبر: غمط الحقوق واحتقار الشعوب!! ولا تختلف المشاعر المرسومة على وجهه عن تلك المرسومة على وجه “النتن- يا هو” الصهيوني، كلاهما انتابتهما نفس المشاعر تجاه الشعب المصري وثورته، ولا عجب، إذن، أن تبادر “إسرائيل” الصديقة، بإرسال الطائرات المدججة بأسلحة محاربة الشغب، شيء طبيعي!، فمكافحة الشعب المصري وقمعه وسحله، تعني بالنسبة لإسرائيل مقاومة الشعب الفلسطيني وقمعه وسحله!، الحرب واحدة، وساحات المعركة مختلفة، وجولة الشعب المصري في ميدان التحرير في القاهرة، هي جولة الأمة في معركة القدس الشريف والحقوق الفلسطينية السليبة.

تلك هي مصر، أم الدنيا، التي جعل منها نظام الحكم أم الكوارث، الأبنية التي كانت تنهار على رؤوس أصحابها، العبّارات التي كانت تغرق، الطائرات التي كانت تسقط، والحكومة ماضية في غيّها، وعصابة السراق لا تلوي على شيء، لم تشبع من دمائنا، ولا من أموالنا، لم تشبع من حرق الأخضر واليابس، والقضاء على الزراعة والصناعة، والتعليم، والجامعات، والإنسان، “السفارة في العمارة” ما هو بفيلم مصري تنقصه كثير من المواصفات الفنية، إنه صرخة ذئاب جريحة في وجه السياسات الحكومية، وانبطاحها أمام العدو وأربابه، “قضية صفية” لم يكن مسلسلا مصريا سيء الإخراج، كان قضية وطنية مصرية بامتياز، كشف وفضح ما لم يعد مستورا، “عايزة أتجوز” ليس مسلسلا استثنائيا مع درجة الشرف، لقد كان صيحة مجتمع يئن بكل ما فيه ومن فيه، من الفساد السياسي، إلى العفن الاجتماعي، إلى الانهيار الاقتصادي، إلى الألم الإنساني، كانت تلك نفثات أمة، أمة لم تسكت طويلا، ولكنها قُمعت طويلا، قُمعت بالتجويع، قمعت بالتطبيع، قمعت بمحاولات التركيع، ولكن الشعب المصري لم يركع، وها هو في ميدان التحرير يقول لنا إنه لم يركع، ولقد خابت كل توقعاتنا، ولم يخيب الشعب المصري أمل الأمة فيه!

لم يبلغ حجم الفساد في مصر درجة سرقة أموال الشعب والدولة، لتكون في جيوب رجال أعمال باعوا ضمائرهم ودنياهم وآخرتهم بالمليارات التي سرقوها فحسب، لقد وصل الفساد درجة لم يعد فيها بوسع الدولة نفسها أن تقتني أدنى ما يمكن لدولة أن تقتنيه، كانت سيارات الشرطة وقوى الأمن توحي بأنها تنتمي إلى العصر الحجري، واضطر بعض المجندين إلى النزول لدفع عربات الجيش المصفحة لدى دخولها القاهرة، وقد علاها الصدأ والأعطال!، وبلغ الترهل من هذه الدولة الناهبة المنهوبة، أن رجال أمنها السريين كانوا يُعرفون وهم المندسون بين المتظاهرين بـ “كروشهم” المدلاة أمامهم، وبحقدهم الأعمى على أبناء شعبهم، إلى الدرجة التي كانوا يقومون فيها بقتل رؤوس المظاهرات بدم بارد وبطلقة في الرأس ومباشرة!

لم يبلغ الأمر بالرئيس التونسي المتخلي عن السلطة، أن أرسل طائراته الحربية لتخترق حاجز الصوت فوق رؤوس المتظاهرين، لم يفعل ذلك على ما نعلم إلا النظام السوري الذي أرسل طائراته الحربية إلى مدينة حماة لدى ثورة أهلها عام 1981 ليقصف المدينة ويدمرها فوق رؤوس أهلها، حتى بلغ عدد القتلى على ذمة الإحصاءات وأكثرها مصداقية عشرين ألف شهيد!، الرئيس المصري قطع شبكة الانترنيت والهواتف الجوالة، ونسي وأعوانه أن الثورة الفرنسية قامت قبل ثلاثمئة عام، يوم لم يكن في العالم أي وسيلة حديثة من وسائل الاتصال!، وماذا تبقى يا ريس؟! أن توقف حركة التنفس، وتقطع عن شعبك مياه الشرب، وأن تحرق القاهرة والإسكندرية، كما فعل نيرون؟!!

لقد قام النظام الدولي الحالي على أنقاض الحربين العالميتين، واستند بكل قدراته الاستعمارية، على منطقتنا، مستفيدا من الثروة الموجودة فيها، ومن عمالة الأنظمة الحاكمة، ومن عجز المجتمعات والإنسان عن الخروج من قمقم القهر والتخلف، إن استمرار النظام السياسي العربي على النهج الذي هو فيه اليوم يعتبر صمام الأمان الأخير لاستمرار النظام العالمي في جبروته وقيامه على جماجم وآلام الآخرين، واستعباد الشعوب هو الطريقة الأمثل للاستمرار في امتصاص خيراتها، والاستهتار بإرادتها. من أجل ذلك لم يستطع التوانسة حتى اليوم إزاحة الغنوشي نائب بن علي، أزيح الرأس وبقي الغنوشي متمسكا بالكرسي تمسك الروح بالجسد، لأن أربابه منعوه من تسليم الحكم! ومن أجل ذلك قابلت أجهزة النظام التونسي المتظاهرين بكل قسوة، ولكنها رغم ذلك لم تصل إلى الدرجة التي عاناها الشارع المصري من هذه الأجهزة المتفسخة، لا شرف ولا وطنية ولا إنسانية، لقد أجج قمعها الانتفاضة، فصارت ثورة، وسيكون من أولى أولويات المجتمع المصري بعد رحيل “الريس” امتصاص “أدوات” السلطة المهترئة هذه لكي لا تصيب المجتمع الجديد بالتلوث، إن الأنظمة التي تتعامل مع مواطنيها بمثل هذا العنف المتوحش لهي الأنظمة التي تحفر قبرها بيدها.
حتى ساعة كتابة هذه الكلمات مازال النظام المصري متعنتا بفعل الضغط الغربي والعربي الرسمي والإسرائيلي عليه، وإن هذه الحكومة التي شكلها استجابة لمطالب “كلينتون” التي تخطب ودّ الشعب، لا تلبي مطالب الشعب، وهو يراهن الآن على أمرين، الأول خوف الغرب من أن يؤدي الآتي والمحتمل في مصر إلى سقوط النظام الغربي بأكمله، بدءا من إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، التي ترتع في دمائنا وأعراضنا وأرضنا دون أن تجد من يوقفها عند حد، والثاني المراهنة على قدرة الجماهير على الصبر.

كما أنه لم يترك اللعب بورقته التي كانت رابحة حتى الآن، فيم تعلق بموضوع التخويف من قوة الإسلام، داخليا وخارجيا!، أنا لا أستطيع أن أفهم ولا أن أعي، كيف يمكن للأنظمة السياسية في بلادنا أن تكون بهذا القدر من الخيانة والعمالة!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2182537

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2182537 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40