الاثنين 12 آذار (مارس) 2012

جسر العودة إلى القدس

الاثنين 12 آذار (مارس) 2012 par الشيخ جابر مسلماني

لا تزال فلسطين القضية المركزية للاجتماع الثقافي والسياسي العربي، هي تعبير عن أشهر ظاهرة سطو دولي مسلح على الأرض والإنسان، باشرتها «إسرائيل» وبمساندة دولية معلنة ودائمة، أهلها الحقيقيون طُردوا رغماً عن أنف الهلال المركون وسط الأعلام الرسمية العربية والإسلامية، استلبها «الإسرائيليون» باسم التاريخ، وبمباركة النجمة السداسية ومواثيق الأمم المتحدة التي أقرت في عام إعلان قيامة الكيان الغاصب، كان ذلك قسطاً أولَ على الطريق إلى ازدواجية في المعايير الكونية، يمارسها الكبار ممن أعلنوا أرقى القيم الوضعية وامتهنوها في آن.

مما لا شك فيه أن الكيان «الإسرائيلي» قائم على معادلتين أساسيتين في ديمومته واستمراره، الدعم الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية التي قامت هي أيضاً على أنقاض شعب آخر تم قتله وتشريده، وتشابه المنطلقات يؤدي الى التناظر في البواطن والرؤى وجداليات المحاججة، لطالما ردت «إسرائيل» على العالم الحر استنكاره لجرائمها بتذكيره بجرائمه وأياديه الحارقة.

الضعف العربي التاريخي والمهين هو الشق الثاني من المعادلة، العرب ككيانات سياسية بدون مشاريع لا داخلية ولا خارجية، وانعدام المشروع السياسي العام يؤدي الى سكونية وارتكاس.

لقد أعلن الكثيرون الطريق الى القدس وفلسطين من جغرافيتهم الدموية، متعددة هي الجسور التي افترضت سبيلاً إليها وسفكت تحت ألويتها دماء كثيرة مخاضات ودوائر حلزونية كانت تبتعد بالبندقية عن هدفها المركزي والطبيعي والمعلن في شعارات إرادة العبور.

ليست بسيطة القدرات والمقدّرات العربية يكمن المأزق الرئيس في الرؤية والإرادات، في المنطلقات والأهداف، في طبيعة العلاقة السياسية العربية وأسسها القائمة على منطق التناحر والاقتتال القبلي البارد والحارد، والتاريخ العربي القريب والبعيد شاهد واضح. لقد تحولت إرادة الصراع العربي من صراع عربي - «إسرائيلي»، الى صراع عربي - عربي، ناهيك عن رهن القرار العربي بالكامل وتسليمه للبيت الأبيض بلا مبرر ولا موجب، بل إن ما تفكر به أميركا يصبح بحكم الناجز والمتحقق عربياً. مركبات نقص حقيقية تستجدي كمالاً موهوماً.

لقد استطاب النظام السياسي العربي المفاوضات مع العدو «الإسرائيلي». هي أقرب الطرق الى الدعة والاسترخاء والتمييع واستغفال الشعوب. قطفت «إسرائيل» كمب ديفيد ووادي عربة، ودخلت طبيعياً الى قلب المنطقة سياسياً واقتصادياً وفكت عزلتها وكبلت مناوئيها وأدخلت المنطقة كلها في نفق الصراع الثقافي والسياسي على السلام، وباتت قضية التحرير الشامل لفلسطين من الماضي، وحتى مواثيق الكفاح المسلح أُسقطت وأُلغيت، وعلى لسان أهلها تحديداً.

لقد سقط كل شيء، سجادة حمراء لا تكفي للسيادة، إذا فرشت على أرض محتلة، نواب أمة منفية ومتشظية معتقلون في سجون الاحتلال، لا يمكنهم تمثيل مواطنيهم، هم شاهد فقط على قبح وفداحة الاستبداد والهمجية «الإسرائيلية» وهزالة أحلامنا. دولة بلا أرض، وتراب مبعثر لا يمكن الوصل والاتصال الذاتي معه، خديعة دولية و«إسرائيلية» تضاف الى منطق الثعالب ومعادلات الخديعة والانخداع العربي.

كان ممكناً للشاهد اللبناني على قدرة المقاومة على تحرير الأرض، أن يشكل إستراتيجية للأنظمة العربية، بعد انتصار المقاومة مباشرة، ودماؤها لم تجف بعد. بسط النظام العربي الرسمي مبادرته للسلام لم يكن الوقت ملائماً، ولا الحقائق على الأرض تفرض تفكيراً عربياً من هذا النوع. كان الأجدى إعادة النظر والتفكير في إحداث معادلات جديدة، وترسيخ قواعد أخرى من وحي الرصاص وقدرته على التغيير. فالمستحيل العربي بات واقعاً على ارض لبنان وبسواعد المقاومين الأفذاذ وهم لا يمتلكون أدنى ما يملكه أي نظام عربي مقتدر اقتصادياً، ولكن المال لا يكفي لصنع الإرادة وحقائق الراسخة، ولا لصياغة الأمجاد، المجد والعظمة والسمو مقولات لا يمكن ارتداؤها إلا بمزيد من الصبر والنضال والصراع.

الآن ونحن في خضم الربيع العربي، وهناك قوى إسلامية وغير إسلامية وفدت الى السلطة على أنقاض الراحل من الأنظمة البائدة، المطلوب منها إعادة مركزة فلسطين في صلب خطابها الثقافي والسياسي بكل تجلياته ومتطلباته، لأن أي ربيع عربي لا يحمل لواء فلسطين لهو نوع آخر وشكل آخر من أشكال الخريف الذي صحّرنا جميعاً من المحيط الى الخليج.

إعلان القدس عاصمة للعرب والمسلمين مدخل وترميز ثقافي، فالكرامة العربية والإسلامية لا يمكن إعلانها إلا على ارض فلسطين، أغصان الزيتون غير ممكنة مع «إسرائيل». لا تسقطوا المسدس من أيديكم.

من ضاق به مكان لا يطلب اللجوء الى أمكنة أشد ضيقاً عليه وعلى قضيته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2182244

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182244 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40