الاثنين 28 أيار (مايو) 2012

الفطنة الإيرانية و«ديبلوماسية حياكة السجاد»!

الاثنين 28 أيار (مايو) 2012 par د. محمد صادق الحسيني

مرة أخرى تسقط «إسرائيل» في فخ «الفطنة الإيرانية المرعبة» وتخرج من مناورة بغداد «بخفي حنين»!

فقد راهنت على تفجير الخلاف بين مجموعة الخمسة زائد واحد مع طهران ظناً منها بأن أي مفاوضات جديدة تحت الضغط وتحت التهديد بالنار يمكن ان تدفع المفاوض الإيراني لتقديم تنازلات!

لقد فات حكام «تل أبيب» بأن إيران يوم بدأت مفاوضاتها مع الغرب في العام 2001 لم يكن لديها لا الإمكانية في تخصيب اليورانيوم ولا أجهزة طرد مركزي يعتد بها ولا منشآت نووية مكتملة ولا حتى أوليات القدرة على صناعة الوقود النووي محلياً ومع ذلك قبلت بفكرة «مداراة العدو» التي يتحدث عنها شاعرها الكبير حافظ الشيرازي بهدف اقتناص فرصة تطبيق المقولة المرادفة لها أي «المروءة مع الصديق»!

فيما دخلت اليوم مفاوضات بغداد وهي ليس فقط تملك القدرة على التخصيب المحلي لليورانيوم بنسبة عشرين في المائة، بل وطورت الجيل الرابع من أجهزة الطرد المركزي وهي من النوع المتفوق والمواكب لأعلى معايير التقدم العلمي الدولية وتقدمت في بناء المنشآت النووية لتصبح مالكة لمنشأة عالية التقنية والبنية التحتية ما يجعلها غير قابلة للاختراق من قبل المنظومة الهجوحية الصهيونية والأمريكية ألا وهي منشأة «فر دو» قرب قم في بطن جبالها والمحاطة بأعلى درجات التقنية للدفاع الذاتي، وأخيراً وليس آخراً فإنها ذهبت الى مفاوضات بغداد وهي قد أنجزت «معجزة» الاكتفاء الذاتي في مجال صناعة الوقود النووي تخصيباً وصفائح مضغوطة أدخلت الى مفاعل «اميري باد» للأبحاث الطبية قرب طهران قبل السفر الى بغداد بأيام هذا في وقت بات لديها منظومة صاروخية دفاعية مكتملة الشروط لردع أي هجوم مباغت عليها من قبل أعدائها، ما يعني بان المفاوض الإيراني ذهب الى العاصمة العراقية بمعادلة ستة مقابل ستة وليس ستة مقابل واحد كما ظن «الإسرائيلي» وتخيل!

من هنا كان كلام سعيد جليلي الأمين على الأمن القومي الإيراني ليس فقط واضحاً وشفافاً جداً قبل وتوجهه الى بغداد بل وحازماً بما فيه الكفاية عندما قال:

أرجو من الغرب ان لا يخطئ في حساباته ولا يسيء تقدير الموقف تجاه إيران، فقد ولى زمن التفاوض تحت الضغط والنار وما يضيق ويضمر دوره هو عصا الضغوط وما بدا يلوح واضحاً في الأفق هو زمن الحوار وتكافؤ الفرص بين الغرب وبين طهران!

وهكذا الأمر في بغداد فعلاً، إذ ان الغرب بكليته ومعه كلب حراسته «الإسرائيلي» قدم الى بغداد وهو لا يملك إلا الإذعان لأمر واقع ألا وهو:

إيران دولة نووية مكتملة ومكتفية ذاتياً لا يملك إلا الإذعان لهذه الحقيقة والتعامل معها معاملة الند للند!

لقد نسي «الإسرائيليون» المعربدون على أبواب محادثات بغداد بان طهران المفاوضة في بغداد ذهبت هذه المرة لمحاورة الغرب وهي قوة جغرافية سياسية أخذت حيزاً كاملاً لها في فضاء مسرح ما يسمى بـ «الشرق الأوسط الكبير» او الموسع ما جعلها تجلس الى طاولة المفاوضات وهي معنية ليس فقط بمناقشة ملفها النووي مع الطرف المقابل، بل ومناقشة كل الملفات الساخنة إقليمياً ودولياً ان على الصعيد السياسي او الاقتصادي او الأمني!

كيف حصل هذا وكيف أفلتت إيران من حبال وحبائل الغرب المخادع والمنافق ولكن المتعالي والمتكبر أيضاً!؟

ببساطة جداً، لأنها تمسكت بحبل اليقين بقدرة شعبها وقدرة علمائها واستعانت على قضاء حوائجها بالكتمان واعتمدت منهج الصبر الاستراتيجي والفطنة في التعاطي مع الغرب الغبي او المستغبي والذي يقف خلف قوة حمقاء مستعلية وممقوتة لدى غالبية شعوب العالم اسمها «إسرائيل»!

لقد عملت طهران بصمت «مخيف» و«مرعب» كما تصفه بعض أقلام الغرب الواقعي والمتواضع، حتى جعلت خط العودة الى الوراء في أية محادثات جدية مع خصومها او أعدائها أمراً غير قابل للتحقق نهائياً!

كما أدارت كل أشكال المفاوضات والحوار على قاعدة ان لا شيء لديها تخسره إذا ما بقيت مصممة على الحزم في مواقفها وإبقاء باب الحوار مفتوحاً على الدوام ما دامت هي مطمئنة انها على حق في مطالبة حقوقها الثابتة والمشروعة في مشروع نووي سلمي!

على خط مواز لم تترك فرصة للعدو ليدخل الى دوائرها الداخلية من أي ثغرة، بل سرعان ما كانت تلملم جراحاتها وأوجاعها ومعاناتها الداخلية وتعيد ترتيب البيت الداخلي كلما بدا عليه بعض التصدع على قاعدة مثلث القيادة العليا الشهير: العزة والحكمة والمصلحة العليا!

وهي نفس القاعدة التي أدارت فيها حواراً طويلاً ومعقداً ومتشابكاً مع الغرب المستكبر والمتعالي بصمت وفطنة «مرعبة» حقاً!

ذلك أنها كانت تدرس أوضاع القوة الامبريالية الأمريكية الأحادية ومعها حليفتها أوروبا العجوز المهترئة والمتهافتة اقتصادياً وحاجتها الماسة الى أسواق ومقدرات هذا الشرق العظيم من جهة وتراجع قدراتها العسكرية والردعية في مواجهة أي صعود لعالم الشرق الجديد بسبب استنزاف قدرات كلتيهما أي أمريكا وأوروبا في حروب عبثية متنقلة لم تأت عليهما إلا بالخيبة والفشل تلو الفشل وانكسار الهيبة وتراجع دور شرطي العالم الذي أرادته أمريكا لنفسها أولاً وتغنت بها الساركوزية لفترة ظناً منها أنها قادرة على حجز موقع ودور القيصر الأوروبي لساكن الاليزيه السابق فإذا به يخرج من حلبة السباق هو الآخر بخفي حنين!

في بغداد كانت طهران تعرف ان الأمريكي لا يمكنه تحمل إعلان الفشل في ظل المعادلة الآنفة الذكر وبالتالي فهو كان مضطراً لأي اتفاق يحفظ له ماء وجهه حتى نهاية السباق الانتخابي الرئاسي!

أما دول أوروبا العجوز فهي كانت تريد الخروج من شبح حرب مزعومة تهدد بها «تل أبيب» تعرف انها لن تحصل لكنها ظلالها ان بقيت تخيم على سماء مفاوضات النووي الإيراني فان أوروبا ستخسر ما تبقى لديها من احتياطي اليورو!

الروس والصينيون من جهتهم لم يريدوا لهذه الجولة من المباحثات سوى ان تثبت موازين قوى جيواستراتيجية جديدة يعرفون جيداً ان من أوجدها هو وصول إيران الى المتوسط في ظل صمود «مرعب» أيضاً للحليف السوري وتصاعد للقوة الردعية للذراع الشعبية لمحور اثبت انه الأكثر رعباً في فطنته في تاريخ حروب المقاومات الشعبية العالمية ضد الاستعمار والامبريالية!

وهكذا تصرفوا بحكمة وصبر وفطنة تمكنوا من خلالها كسب المزيد من مواقع التقدم في المعادلة الدولية التي تتجه الى مزيد من تعدد الأقطاب على حساب أحادية أمريكية أثبتت يوماً يوم أنها كانت متهورة بل ومجنونة، بل وذاهبة بسرعة البرق الى الانحدار المتسارع في وادي الهزيمة الإستراتيجية مهما استعرضت عضلاتها الحربية وقدراتها التدميرية، ذلك ان قدرات الفطنة والإدارة المحكمة والحكيمة يمكن ان تحولها الى كتل من الحديد الخردة غير القابلة للاستخدام أمام خصم أتقن «ديبلوماسية حياكة السجاد»!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2182610

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2182610 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40