وسائل الإعلام «الإسرائيلية» تتحدّث عن بوادر لتخفيف ما سمّتها حدة التوتر بين «إسرائيل» والولايات المتحدة، وتدلل على ذلك بحديث بنيامين نتنياهو لأول مرة عن خيارات عدم الوصول إلى مواجهة مع إيران. هذه البوادر ربطتها التقارير «الإسرائيلية» بمستجدات لا علاقة لها بحرص نتنياهو على استقرار المنطقة، أو تقديره لتبعات شن حروب جديدة على شعوبها وعلى «إسرائيل» نفسها، إنما بصفقة جرى أو يجري طبخها بين «إسرائيل» وأمريكا، بحيث تلتزم «إسرائيل» عدم مهاجمة إيران قبل الانتخابات الأمريكية، مقابل التزام واشنطن القيام بهذه الخطوة في حال فشلت المحادثات الدبلوماسية، مع حصول «إسرائيل» على أسلحة فائقة التطور تشمل طائرات تتزود بالوقود في الجو، وقنابل يمكنها اختراق التحصينات حتى عمق 60 متراً. وتشمل أيضاً تنظيم أكبر مناورات بحرية مشتركة بمشاركة 25 دولة، في مياه الخليج العربي، قرب مضيق هرمز.
حديث الصفقة هذا يتزامن مع ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن اعتزام الرئيس الأمريكي باراك أوباما عرض خطوط حمر في المسألة الإيرانية، بحيث تلجأ الولايات المتحدة، في حال خرقها من جانب إيران، إلى شن هجوم عسكري ضد المنشآت الإيرانية. كل ذلك بعد نحو أسبوع على تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي الرافضة لأي هجوم «إسرائيلي» على إيران، وأيضاً بعد أيام على تسريبات إعلامية أفادت بوصول رسالة أمريكية إلى إيران تؤكد نأي واشنطن بنفسها عن أي هجوم قد تشنّه «إسرائيل» على إيران.
خلاصة الأمر أن «إسرائيل» كما المنشار تأكل ذهاباً وإياباً، وتعيش على الابتزاز متعدّد الأشكال. وهكذا، فمن خلال تهديداتها المتكررة بمهاجمة إيران، تعرف أن الولايات المتحدة غير مستعدة لتحمل تبعات هذه الحرب، وتدرك أن واشنطن ستخضع لهذا الابتزاز وتعطي «إسرائيل» المزيد من الأسلحة، ولاسيما من النوع الذي تتردد في إعطائه لها.
وعلى المنوال ذاته، لا نستبعد أن تتعمّد «إسرائيل» تسخين الأجواء على الجبهة اللبنانية وربما السورية، وتوحي بفتح وشيك لهذه الجبهة، وهي تدرك أن من شأن هذه الخطوة أيضاً أن تجر إيران، وبالتالي تعود إلى المربّع الأول وترفع سعر الصفقة. وبناء على التغيير الذي جرى في مصر، ترى «إسرائيل» أن كلام الأمريكيين عن مرحلة «عدم اليقين»، يشكل مبرراً كافياً لتعزيز ما يسمى تفوق «إسرائيل» النوعي عسكرياً، وتجد بالتالي فرصة سانحة للابتزاز العسكري.
عملية التسوية ليست معزولة عن سياسة الابتزاز هذه بل في قلبها، وعلى ذلك تمسك «إسرائيل» بالموقف من الخاصرة الضعيفة، فأمريكا تعاني كثيراً في سمعتها لدى شعوب المنطقة، ولا ينقصها مزيد من الإحراج، وهي لا تستطيع طويلاً تبرير رفضها التوجّه الفلسطيني نحو الاعتراف بالدولة المستقلة كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، ولا تستطيع طويلاً التنكّر للموقف الأمريكي الذي طالما اعتبر الاستيطان غير شرعي قبل عهدي بوش الابن وأوباما اللذين خففا هذا الموقف وحوّلاه إلى قضايا تفصيلية مثل التجميد المؤقت والجزئي، وأحياناً المشروط بثمن من القيادة الفلسطينية. وفي هذه الآونة ارتفعت نغمة «إسرائيلية» تدعو إلى تغيير الرئيس محمود عباس، وقد تتحوّل إلى «التخلّص منه»، فتتدخّل الولايات المتحدة لثني «إسرائيل» عن ارتكاب حماقة، ثم تطلب «إسرائيل» ثمناً سياسياً لتراجعها، وهذا الثمن سيكون التزاماً أمريكياً بتبني الموقف «الإسرائيلي» من التسوية نصاً وروحاً، استيطاناً وقدساً وأسرى، والأهم «يهودية الدولة». فهل تدخل واشنطن في مساومة كهذه لحماية الشريك الفلسطيني في اتفاقات التسوية، أو أنها سترفض، ليس لسبب مبدئي، بل باعتبار أن لديها بديلاً جاهزاً للقيادة الفلسطينية، بديلاً من لون المرحلة؟