لأول مرة منذ مطلع هذا القرن، لن يشهد الحادي عشر من أيلول الأمريكي ما كان يشهده طيلة أحد عشر عاماً من الندوات وطقوس الذكرى، ليس لأنه أصبح خارج التقاويم بل لأن هناك أيلولاً آخر سوف يظفر بالسجال كله والتلفزة كلها بمختلف القنوات واللغات، ذلك لأن تصويت الكونغرس على الضربة العسكرية التي وصفت بالسريعة والقاسية سوف يتزامن مع تلك الذكرى، وبالتأكيد ستكون هناك أطروحات أخرى مختلفة، لأن الضربة العسكرية التي هدد بها الرئيس أوباما دمشق ليست ثأراً من أحداث أيلول عام ،2001 والسبب المعلن لها هو استخدام أسلحة كيماوية محرمة دولياً، فالثأر
لم ينتظر أحد عشر عاماً، بل بدأ على الفور ضد أفغانستان التي مهدت بشكل أو بآخر لاحتلال العراق، والنظم العربية التي ثار عليها حراك شعبي واسع اختلفت في تكويناتها وظروف شعوبها، لكنها ائتلفت من حيث لا تدري على أنها العدو الجذري لتنظيم القاعدة، ومنها من استخدم القاعدة ورقة للاسترضاء وإبلاغ واشنطن أنها تشاركها في الخندق العالمي المضاد للإرهاب .
ما يعنينا في هذا السياق هو أن هناك أحداثاً ووقائع تنسخ بعضها، فلا يعود يوم محدد من العام مكرساً لحدث بعينه، والحادي عشر من أيلول لهذا العام سيكون من نمط آخر، مما يفرض مناخات مغايرة للحوار والمساجلات والحراكات الدبلوماسية والعسكرية، وأحياناً تتعذر الإجابات عن بعض الأسئلة لسبب منهجي هو ما سماه لويس التوسير الصياغات الخاطئة للأسئلة، ومنها على سبيل المثال أي سؤال افتراضي عن سعر جهاز التبريد في القطب المتجمد الشمالي أو عن عدد أبناء الزوجة العاقر .
عربياً وفي ذروة هذا الاحتدام والتوتر وتبادل الادانات حد التجريم يبقى الساقط سهواً أو عن عمد هو دور العرب أنفسهم في حل أزماتهم وعدم تركها في مهب التدويل والعسكرة .
لكن أزمة الثقة المستفحلة بين النظم من جهة وبينها وبين الشعوب من جهة أخرى حالت دون إصغاء أي طرف إلى طرف آخر، فادعاء المعصومية واحتكار الصواب لم يعودا مجرد حالات عرضية أو طارئة، بل انتشرا على نحو وبائي في النطاق القومي .
نعرف أن ما سكب من الدم وليس الحليب، كما يقول الإنجليز، لا ينفع معه البكاء، فما حدث قد
حدث، وما سوف يحدث لا حول ولا قوة للعرب فيه أو معه .
فهل أصبح التاريخ يبدل تقاويمه ومناسبات عزائه كل أحد عشر عاماً؟
مجرد سؤال، نأمل أن تكون صياغته سليمة بحيث يلقى إجابة .