تحيا طيور الديك الرومي اغتراباً مشحوناً بالمكابدات كل سنة حتى يأتي يوم الخميس الرابع من شهر نوفمبر، إذ تلقى الملايين من طيور “الفسيفس” (وهو الاسم الشائع في العراق لهذا الطائر، زيادة على اسم الدلع: علي شيش) حتوفها على أيدي القصابين والذباحين كي ترسل لحومها منظفة وطرية إلى الأسواق الكبرى، لتحشى وتشوى مع أنواع الفواكه والمقبلات للاحتفال بعيد الشكر Thanksgiving.
مأساة الفسيفس في الولايات المتحدة الأميركية لا تختلف كثيراً عن مآسي الأغنام في العالم العربي الإسلامي، ذلك أن الأميركان لايمكن أن يشعروا بالحبور وبأجواء عيد الشكر إلا وهم يمضغون لحم الفسيفس مع النبيذ وسواه من المشروبات البريئة والكحولية حتى التخمة، ثم يتوجهون تلقائياً إلى الصيدليات بحثاً عن أدوية الحموضة والمساعدة على الهضم. إلا أن أكثر ما يؤثر في نفسية الفسيفس الأميركي هو أنه بعد أن يؤكل، يتبادل الحاضرون من البشر أنواع النكات عليه والتندر به، الأمر الذي يزيد من مشاعر الإغتراب في دخيلته.
بهذه الطريقة فقط تكتمل الإحتفائية على أرواح الديوك الرومية التي ترسل بلا رحمة إلى الأفراد، اللهم إلا إذا حظيت بعناية السماء فتكون من حصة الرئيس الأميركي الذي تأخذه الشفقة بالديك الرومي المهدى اليه، فيطلقه في حدائق البيت الأبيض، منقذاً إياه من سكاكين القصابين. ثم لا يلبث الرئيس الرؤوف، بعد تحرير الديك السمين المقدم إليه، وأن يلبي دعوة غداء أو عشاء من قبل أحد المقربين لتناول لحوم الفسيفس، بلا رحمة، هذه المرة!
لذا تتطابق الثقافة الأميركية الشائعة مع الثقافة الشائعة في العالم الإسلامي الذي بدلاً من أن يستجيب لالتماسات الممثلة الفرنسية الشهيرة “بريجيت باردو” للحكومة التركية بالامتناع عن ذبح الأغنام في عيد الأضحى، يتماهى في استغلالها والإقلال من شأنها في الكاريكاتير والإعلان والدعاية، ناكراً جميل لحومها السمينة اللذيذة على أمل الظفر بها في عيد الأضحى التالي، بالضبط كما يفعل الأميركان عندما يتركون موائد عيد الشكر ولم يتبق من الفسيفس المشوي المسكين سوى هشيم العظام والأحشاء!
السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013
معاناة “الفسيفس”
السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013
par
أ.د. محمد الدعمي
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
49 /
2197620
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2197620 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 8