سامر العيساوي يغادر باستيلات الكيان الصهيوني ويتنفس هواء العيساوية البلدة النائمة في حضن القدس . شكراً لأمعاء سامر الخاوية ولا فضل لأحد غيرها عليه، سوى من ساندها من أبناء شعبه، وحوّل جوعها إلى غضب في وجه الاحتلال . تسعة أشهر من الجوع فرضت على “إسرائيل” أن تجثو على قدميها المغموستين بالدم، وتضطر لإطلاق سراحه، وإن بشكل غير فوري حفظاً لماء وجه شققه انعدام الحياء . تسعة أشهر من الصراع على جبهة الجوع فعلت ما عجز عنه التفاوض مع المحتلين طيلة ثلاث وعشرين سنة، لكنها عجزت عن إقناع مدمني التفاوضي بأنهم لا يمارسون سوى العبث .
ليس الجالس على الأرائك ممسكاً ب “الريموت كونترول” من يستبد به الإحساس الذي ينساب في قلب سامر . ليس المتقافزون في صالة “الجيم” من يحملون في أجسادهم الدورة الدموية نفسها التي تتدفّق في أوردة سامر وشرايينه . وحدهم الذين تركوا سامر خلفهم وتركهم خلفه، من يعيشون الشعور ذاته من نشوة الانتصار المنتزع من جحيم سجّان متمرّس في السادية، متماد في الوحشية، ومدمن رش الملح على الجروح والجراح .
المهنئون في بيت سامر سيرون كيف يسقط فنجان القهوة من يده لأن قبضة أصابعه تعوّدت وأخذت شكل الكأس البلاستيكية في السجن . سيمضي سامر أياماً وأسابيع يعود فيها إلى السجن كلما وضع رأسه على الوسادة ونام . سيصحو في مواقيت العد الصباحي نفسها في السجن، وسيقف قرب الثلاجة مع حلول وقت العد في الظهيرة، وستذبل عيناه وقت القيلولة . سيرى الأغلال من خلال آثارها في معصميه، وستحتاج عيناه إلى بعض الوقت لتتعودا على أن الواقف أمامه شقيقه أو ابن عمه أو صديقه، وليس ضابط الأمن أو مدير السجن أو مندوب الصليب الأحمر .
ماذا بعد؟ سيحتاج إلى مزيد من الوقت ليدرك أن صوت الرنين الذي يسمعه هو جرس المدرسة وليس استنفاراً لشرطة السجون، وأن الصراخ الذي يخترق أذنيه صوت بائع الخضار وليس المناداة لتفتيش أمني أو موعد زيارة الأهل النادرة .
يعرف سامر ولا بد أنه سمع من ذوي التجربة أنهم كانوا يطلبون من المعتقلين الجدد في وقتهم في السبعينات والثمانينات، أن يصفوا لهم شكل تلفاز “الأبيض والأسود” والمسجّل والسيجارة ذات “الفلتر” .
من حق أم سامر أن تحبس دموعها فرحاً وهي تقف أمام سجن شطة بانتظار الإفراج عن ولدها . وهل ثمة شعور أبهى وأعمق من ذلك المزيج المعبأ في قارورة الكرامة، فخراً بمناضل وحباً لابن يرفع رأس وطن وشعب وأمة؟ من حقها ان "تتمنى حمله لكي لا يمشي على الأرض . ومن حق سامر أن يفخر بأم لم تتقوقع في أمومة محدودة، ولم ينسها فرحها بتحرير ابنها التعهد باستمرار نضالها من أجل الإفراج عن الأسرى كافة، وتذكير النسّئين بأنهم كلهم أبناؤها ويعزون عليها مثل سامر .
وسائل الإعلام كرّرت القول إن سامر العيساوي عانق الحرية . هذا التوصيف يقلب الحقيقة رأساً على عقب . فالحقيقة تقول إن الحرية هي التي عانقت صاحب أطول إضراب عن الطعام في تاريخ البشرية . الحرية مثل الوطن تحب من يحبها، مثل الأرض تعطي من يعطيها، ومثل الحياة تنتصر لمن ينتصر لها .
الأربعاء 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013
الحرية تعانق سامر
الأربعاء 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
20 /
2183286
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
24 من الزوار الآن
2183286 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 14