هل يكون الإنسان شهيداً وأسيراً، الأمرين معاً؟ في عرف احتلال كالذي يغتصب فلسطين، نعم يكون الإنسان شهيداً وأسيراً . يحصل كثيراً أن يتحول الأسير في سجونه إلى أسير، ويحصل أيضاً أن يتحوّل الشهيد إلى أسير . ينسى المتشدّقون بحقوق الإنسان أو يتناسون عمداً وعن سبق إصرار وترصّد، ما يحفل به سجل هذا الاحتلال من “إبداع” في “فن” ارتكاب الجرائم، ومن تفرّد في التلذّذ في عذاب الفلسطينيين والعرب، ومن إمعان في العقاب الجماعي . عقاب يمارسه من يستحق العقاب كل دقيقة بحق ضحايا تتجدد تضحيتهم كل ثانية من أعمارهم .
بعض أبناء العروبة لا يسمعون باسم آيات الأخرس التي أخذت قرار الاستشهاد قبل اثنتي عشرة سنة في ذروة الاجتياحات الدموية “الإسرائيلية” للضفة الفلسطينية . لا يسمعون بها لأنها شهيدة من الدرجة الأولى وليست راقصة من الدرجة العاشرة، لا يسمعون بها لأنهم مشغولون عنها بما هو أهم، فلم يعد للعرب معارك مع مغتصبي أرضهم، فلا بأس من الانخراط في معارك “الفيفا . لا عمليات عسكرية ولا دوريات ليلية تزعج أبراج المراقبة”الإسرائيلية" الغارقة في الملل، فلا ضير من الانشغال بالدوريات الأوروبية والانخراط الوجداني في معاركها على جبهات مدريد وميلان وموناكو وأمستردام .
أخيراً عادت آيات الأخرس جثّة إلى محطتها الأخيرة، وأية محطات تطوفها فلسطينية كآيات؟ من لاجئة في مخيم الدهيشة إلى شهيدة في أكناف بيت المقدس، إلى رفات يعود إلى مقبرة المخيّم الذي عرف الانتفاضات والجدار قبل غيره، إلى المخيم الذي يجيب ابن الخامسة فيه عن سؤال: من أين أنت؟، فيقول: من عين كارم، أو بيت عطا أو بيت محسير، أو الرملة أو اللد، فيعطي السائل درساً بأن المخيم ليس سوى ممر وإن طال الزمن، وأن مقولة غسان كنفاني “خيمة عن خيمة تفرق”، لم تكن مجرد فذلكة لفظية في رواية تزحف على بطنها لنيل جائزة، أو تتحوّل كلماتها النازفة إلى عائد دولاري من مؤسسة تفرّغها من الوجدان وتغلفها بالهوليوودية .
نعم في “إسرائيل” يتحوّل الشهيد إلى أسير، فهي تحكم بالسجن على الجثّة، وإذا كانت تزج بالأسرى الأحياء في مقابر فوق الارض، فإنها تلقي بالشهداء الأسرى في مقابر الأرقام تحت الأرض . وأخيراً، عادت آيات الأخرس جثّة من مقابر الأرقام الصهيونية، لتدفن كما يليق بشهيدة بعمر الزهور عقدت قرانها مع الوفاء لوطن دفن فيه جدها المائة أو الألف .
الآن بات بإمكان والدة آيات أن تذرف الدموع على قبر ابنتها وهي تعلم أن دموعها ستتسلل في ثنايا التربة فترطّب روح آيات وتبلغها بأن “أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها (أو ابنتها)، وعاد (أو عادت) مستشهداً (أو مستشهدة)” . الآن من حق والد آيات الذي حافظ على قبر حفره قبل اثنتي عشرة سنة، أن يخنق الدمعة في مقلتيه وأن يقول “آيات أقرب لحضني اليوم من أي وقت مضى” .
آيات عادت جثة وتركت خلفها ثلاثمائة شهيد في مقبرة الأرقام . لم يكن الشهداء يوماً أرقاماً إنما قصص وحكايا، وتبقى آيات أيقونة إنسانية، لكن ماذا بقي من آيات المؤمن الثلاث، إذ بات لسان الإفتاء بالحق أخرس .
الاثنين 3 شباط (فبراير) 2014
وعادت آيات الأخرس
الاثنين 3 شباط (فبراير) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
11 /
2197627
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2197627 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 10