حين يمر خبر عابر عن إضراب أسرى فلسطينيين عن الطعام في سجون الاحتلال، في شريط إخباري على فضائية تواكب عالماً خاصاً وارتباطات أشدّ خصوصية في الزمن الخطأ، تحضر تجارب وتعبيرات كثيرة منها كلمات المناضل الهندي الراحل جواهر لال نهرو “السجن هو المكان الطبيعي لشخص حر في أمة مستعبدة” . لو لم تكن أمة الملايين مستعبدة، لما جاءت عصابات قتلت وهجّرت واستولت على الأرض وأنشأت “دولة” في قلب هذه الأمة، ثم باتت تلعب بالفلسطينيين وبعض العرب كما يتلهى قط غير جائع بفأر افتراسه مؤجّل .
كم بقي من الإنسانية ما يسمح بتذكّر آلاف الفلسطينيين القابعين في قبور أحياء تسعة سجون على سبيل المجاز؟ لا بأس، فهم عندما سلكوا طريق النضال لم يكن يدور في خلدهم أن يستجدوا من أدعياء العروبة والإسلام والإنسانية ومسلسل الشعارات الحقوقية، أن يخرجوهم من السجن . ربما راهنوا على بقايا من هذه القيم تقف إلى جانبهم على جبهة منع الاحتلال من سحق آدميتهم وامتهان كرامتهم، وتحويلهم إلى أكياس بلاستيكية فارغة من أي مضمون . لكن على الأسرى أن يعتادوا على وضع لا تتحقق فيه حتى مثل هذه الوقفة .
هناك أسرى فلسطينيون مضربون عن الطعام، بعضهم منذ 40 يوماً . هذا يعني حكماً أن أحوالهم الصحية ساءت بشكل كبير، حيث يضاف لتأثيرات الإضراب وتداعياته الصحية، لجوء إدارات سجون الاحتلال في هذه الحالة إلى عزل الأسرى المضربين وممارسة شتى صنوف القهر النفسي والضغط العصبي عليهم بهدف كسر إضرابهم .
كلا الحكومتين والفصائل في الضفة وغزة لا تملك سوى تنظيم اعتصامات موسمية وإصدار بيانات تقليدية معتادة تتضمن الشجب والاستنكار وتحذير العالم بأن “إسرائيل” هي المسؤولة عن أي انفجار للأوضاع في السجون بسبب سياستها القمعية وقوانينها الجائرة المطبّقة بحق الأسرى وانتهاكها الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية .
في القرن الواحد والعشرين حيث بات عدد منظمات الرفق بالحيوان أكثر من عدد السجون، يضطر أسرى في سجن “إسرائيلي” لإجراء عملية جراحية لزميلهم الأسير رامي سمير حسان، بواسطة “شفرات حلاقة”، بعدما رفضت سلطات الاحتلال تقديم العناية الطبية له . في عصر “الربيع العربي” تتقزّم أحلام الأسرى المرضى وتلخّصها وصايا انتظار الموت في رسائلهم المهربة من الأكياس الحجرية “نريد أن نموت بين أهلنا فقدنا الأمل ولا نريد شيئاً . . استبدلت الفئران بأجسادنا لتجارب طبية في السجون” . في عصر الإسلام السياسي والنفاق الديني وفتاوى “الدليفري”، حيث تبدّلت الأولويات ووجهات الجهاد، أصبح حلم أم أسير أن يموت ابنها في حضنها على أن يموت بين أنياب الجلادين .
رغم كل شيء، لا تخلو أدبيات جنرالات الصبر من تعبيرات الانتماء للأمة العربية وللإنسانية المعذّبة . ما زالوا يعتبرون أنفسهم جزءاً أصيلاً من أمتهم ومن قضية أممية تواصل كفاحها لأجل الحرية والعدالة والاحترام الحقيقي غير الانتهازي لحقوق الإنسان . ما زال الأسرى يناضلون ضد مخطط الاحتلال الرامي لجعلهم يتنصّلون من انتمائهم الوطني والقومي والإنساني . ذات يوم قال محقق “إسرائيلي” لأسير: هل تعتقد أن أشقاءك العرب يفكّرون بك؟ ثم أطلق قهقهة فيها من ثقلة الدم ما يفوق الزئبق، فرد عليه الأسير: من يضحك أخيراً يضحك طويلاً .
الاثنين 17 شباط (فبراير) 2014
الأسرى جنرالات الصبر
الاثنين 17 شباط (فبراير) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
25 /
2197626
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2197626 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 10