السبت 15 آذار (مارس) 2014

الخشية من تنازلات جديدة

السبت 15 آذار (مارس) 2014 par د. فايز رشيد

من المقررأن يلتقي الرئيس أوباما، محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في البيت الأبيض في 17 مارس/ آذار الحالي . الرئيس الأمريكي التقى من قبل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو . كثيرون من المحللين والمراقبين اعتمدوا ما أسموه “تحذيرات” أوباما لنتنياهو ول“إسرائيل” في إحدى مقابلات الأول الصحفية (قبيل اللقاء) . عملياً ما قاله الرئيس الأمريكي لا يعد تحذيراً، بل انتقادات خجولة للحليف الصهيوني، فهو تطرق للصعوبات التي ستواجهها “إسرائيل” مستقبلاً، إن لم تقم بتوقيع اتفاقية الإطار مع الفلسطينيين . كما أكد أوباما ل“إسرائيل” التزام الولايات المتحدة الكامل بالأمن “الإسرائيلي”، مع ضرورة الموافقة على أهمية توقيع معاهدة سلام مع الفلسطينيين . المراقبون أيضاً بالغوا في حجم ما أسموه “ضغوط” مارسها أوباما على ضيفه الصهيوني! حقيقة الأمر: إنه ما من تحذيرات وجهها الرئيس الأمريكي للحليف الصهيوني . كذلك ما من ضغوط مورست عليه . نقول ذلك اعتماداً على ما جرى في اللقاء: لقد أكد نتنياهو مواقفه الواضحة وشروطه على الفلسطينيين والعرب أمام الرئيس الأمريكي مباشرة . ثم إن اللقاء، كما صورته المصادر الإعلامية للطرفين، تميز بالأجواء الودية . التحذيرات في العادة يجري توجيهها مقترنة باشتراطات يمارسها الطرف المحذر للطرف التي يجري توجيهها إليه، وهذا ما لم يمارسه أوباما الذي أكد التحالف الاستراتيجي المتين بين الطرفين “الإسرائيلي” والأمريكي . نتنياهو أعاد تأكيده على استمرار الاستيطان (الذي زاد عملياً في عام 2013 بنسبة 123 % عما كان عليه في عام 2012 - أي في ظل المفاوضات)، كما أكد الثوابت والاشتراطات الصهيونية للتسوية . كان ذلك في خطابه في “الأيباك” بعيد لقائه مع أوباما .
التحذيرات والضغوط سيمارسها أوباما على عباس والفلسطينيين عموماً في لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية . هذا ما تعودنا عليه في العلاقات مع الولايات المتحدة وفي جولات كيري . الضغوط ستنصبّ في اتجاهات ثلاثة: تمديد المفاوضات بعد مضي التسعة أشهر المقررة قبلاً، والتي تنتهي في أواخر إبريل/ نيسان القادم . الاعتراف بيهودية “إسرائيل”، والموافقة على تواجد قوات “إسرائيلية” في منطقة غور الأردن . توقيع اتفاقية الإطار التي اقترحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري . الخشية هي قبول هذه الاشتراطات من طرف عباس، وبخاصة أن مصدراً إعلاميا أمريكياً صرح في بداية فبراير/ شباط الماضي، بأن اتفاقية الإطار ستتضمن اعترافاً فلسطينياً بيهودية دولة الكيان الصهيوني . أيضاً فإننا لاحظنا تأكيد وجود التنازلات الفلسطينية، خاصة في جولات التفاوض الأخيرة - فترة التسعة أشهر - (هذا عدا التنازلات الأخرى التي أبداها الطرف الرسمي الفلسطيني في أوسلو، وعلى مدى عشرين عاماً بعدها) . سنتناول التنازلات الأخيرة فقط لرئيس السلطة أبو مازن .
التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ بضعة أسابيع في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله مع نحو 300 طالب “إسرائيلي”، في إطار اللقاءات التي يجريها مع ما يسميه “المجتمع المدني”الإسرائيلي“” . للعلم: أبو مازن شكّل لجنة فلسطينية مهمتها التواصل مع المدنيين “الإسرائيليين” . بداية فإن وجود “مجتمع مدني في”إسرائيل“” هو فهم فيه بعض الخطأ، والأصح قولاً: إن “إسرائيل” هي جيش له دولة، ونحن لا نبالغ في ذلك فأغلبية المدنيين في “إسرائيل” هم احتياط للجيش “الإسرائيلي”، وكلما تكون “إسرائيل” على أبواب حرب تقوم باستدعاء هذا الاحتياط، أي أن المدنيين هم تبعية المؤسسة العسكرية الصهيونية . أيضاً “الإسرائيليون” لا يشكلون مجتمعاً مثل بقية الدول، إنهم فسيفساء لا أكثر . مع تجاوزنا لحرص الرئيس عباس على إلقاء التحية عليهم باللغة العبرية، مع أن لغة الرئيس المفترضة هي العربية .
اعترف الرئيس عباس في الحديث: بتقديم الجانب الفلسطيني للتنازلات فهو يقول نصّاً “إن الجانب الفلسطيني قدّم تنازلات عدة من أجل الوصول إلى السلام، ولكن الجانب”الإسرائيلي“في كل مرّة يطلب المزيد” . عباس يعترف أيضاً بالشهية “الإسرائيلية” للتنازلات الفلسطينية فدوماً تطلب المزيد منها، فالنهم الصهيوني لهذه التنازلات ليس له حدود . من جملة التنازلات الفلسطينية، الموافقة على إجراء تبادل طفيف للأراضي المحتلة في العام ،1967 والقبول بوجود طرف ثالث لحفظ الأمن على الحدود . ما نقوله إن القبول بمبدأ تبادل طفيف للأراضي يضرب قرارات الأمم المتحدة القاضية بانسحاب “إسرائيل” من كافة الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية . “إسرائيل” مثلاً تعد القدس الشرقية جزءاً من القدس المدينة الموحدة والعاصمة الأبدية لها . التبادل الطفيف يعني إعطاء الفلسطينيين شكلياً منطقة المثلث في عام ،1948 والتي تغص بثلاثمئة ألف مواطن فلسطيني عربي . هدف “إسرائيل” يظل هو التخلص من الفلسطينيين العرب في سبيل نقاء الدولة اليهودية، “أي الدولة لليهود فقط” كما تطمح إليه “إسرائيل” . هذا جزء مما قد تعده “إسرائيل” تبادلاً للأراضي . ثم إن مبدأ قبول طرف ثالث لحماية حدود أمن الدولة الفلسطينية هو ضرب لمبدأ استقلالية دولة فلسطين، هذا أولاً . وثانياً إن مبدأ قبول وجود طرف ثالث لحماية حدود الدولة الفلسطينية يفتح شهية “إسرائيل” على أن تكون هي هذا الطرف الثالث، وهذا ما حصل . للعلم فإن من يقدّم التنازلات ل“إسرائيل” قد يقبل مستقبلاً أن تكون “إسرائيل” هي هذا الطرف الثالث .
يضيف أبو مازن: “إنه يهدف ويدعو”إسرائيل“للموافقة على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين”، ويستطرد “إنني لا أتحدث عن عودة ستة ملايين لاجئ فلسطيني، فنحن لا نسعى لإغراق”إسرائيل“باللاجئين لنغيّر تركيبتها السكانية” . ويستطرد “هناك دعاية تقول إن أبا مازن يريد أن يعيد إلى”إسرائيل“خمسة ملايين لاجئ لتدمير دولة”إسرائيل“. هذا الكلام لم يحصل إطلاقاً، كل الذي قلناه هو: تعالوا لنضع ملف اللاجئين على الطاولة لننهي قضية حساسة يجب أن نحلها، لنضع حلاً للصراع، ولكي يكون اللاجئون راضين عن اتفاق سلام، أؤكد أننا لن نغرق”إسرائيل“باللاجئين، هذا كلام هراء”! بداية فإن حق عودة اللاجئين إلى وطنهم هو حق ضمنته الأمم المتحدة في قراراتها بهذا الشأن . ثم إن عباس لا يملك الحق في التحدث عن ستة ملايين لاجئ فلسطيني! هو تخلى عن مدينته صفد، لكنه واحد من بضعة آلاف هجروا من هذه المدينة، فأصبحوا بعشرات الآلاف . ثم إن “إسرائيل” أعلنت رفضها مراراً تطبيق هذا الحق، فكيف يعتقد عباس أن “إسرائيل” ستعمل على حل جزئي لهذا الحق؟ ونسأل: ما هو هذا الحق الجزئي من وجهة نظره؟ لا يمكن لمطلق فلسطيني إسقاط هذا الحق . ثالثة الأثافي هو ما أعلنه عباس “إنه إذا لم يحصل سلام فلن نعود إلى العنف”، إنه يعترف بأن مقاومة شعبه للاحتلال “الإسرائيلي” عنفاً (في إحدى التصريحات سمّى العنف إرهاباً) . إن أبو مازن يؤكد أن استراتيجيته هي المفاوضات، وهو تخلى أيضاً عن الانتفاضة المسلحة وحتى المقاومة الشعبية التي كان ينادي بها، فهل يوجد أبلغ من هذا الكلام بمعناه السلبي بالطبع؟ نعم، من حقنا الخشية من تقديم عباس لتنازلات جديدة في لقائه المرتقب مع الرئيس الأمريكي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2182774

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2182774 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40