قراءات عِبْرّية لأحوالنا

هذه المرة يأتي تحليل ماسمي الربيع العربي من تل أبيب، ومن مدير مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية “ديفيد وينبرغ”، فلا إيحاءات ولا مراوغة بل تقديم قائمة بمكتسبات الكيان الصهيوني من حراكات عربية جرى اختطافها، وانقطعت عن دوافعها الأصلية .
يقول ديفيد وينبرغ سواء في كتاباته أو من خلال محاضرات منها ما ألقاه في أوسلو إن ما حدث للعالم العربي بالجملة طمأن الكيان الصهيوني على مستقبله الأمني في المدى المنظور على الأقل بدءاً من العراق الذي كان أول مُنجز لحاكمه العسكري بعد الاحتلال “بريمر” هو حل الجيش ومن ثم تفكيك الدولة . ما حوّلها إلى طوائف متنازعة، ثم يمر بعدة عواصم عربية ليحصي خسائرها العسكرية وما فقدته من قوتها واقتصادها وحتى من احتياطياتها الاستراتيجية .
يقول في إحدى محاضراته إن ما كان يخشى منه الكيان الصهيوني لم يعد قائماً والكثير مما كان يتهيأ له ويعد نفسه لمجابهته أصبح غائباً، لأن العالم العربي بعدما تعرض له من تفكيك وتشظية سوف يتورط في الأعوام المقبلة بمزيد من النزاعات المحلية . وسيكون الاحتكام الوطني للطائفة وليس للبلاد وهكذا سوف تتمزق الهوية لتصبح كسوراً عشرية .
ويضيف أيضاً أن تدهور الأمن وما أصاب بعض الأجهزة الأمنية من خلل بنيوي وأحياناً أزمة ثقة مع الناس سيصرف العرب إلى جهة أخرى بعد أن تغير اتجاه البوصلة القومية، وهذا كله بمثابة طمأنة حتى لو كانت على نحو غير مباشر لتل أبيب .
وإذا كان كل ما قاله ديفيد حتى الآن قابلاً لسوء الفهم أو التأويل فلنقرأ بالحرف الواحد ما قاله بشكل مباشر وهو أن ماجرى في الوطن العربي هو في نهاية المطاف ربح صافٍ للكيان الصهيوني .
والسؤال هو ما الذي يدفع باحثاً أو جنرالاً في تل أبيب إلى هذه الاعترافات؟
أليس من الأفضل والأجدى الاحتفاظ بالصمت كي يتضاعف الربح وفق حاسوبه الصهيوني؟
لقد سبق أن قدّم باحث إسباني متخصص في التاريخ العربي الإسلامي هو “غواتسلو” تحليلاً للحراكات العربية وانفرد بهذا التحليل في ضوء منهج ابن خلدون وهذا ما لم يفعله أحفاد ابن خلدون أنفسهم .
الإسباني الأكثر وعياً وفهماً للتاريخ العربي لم تكن النتائج التي توصل إليها على غرار مايقوله ديفيد وينبرغ، لكن مقتربة أدق من مقتربات عربية لم تكن رؤيتها للمشهد المعقد شاملة وبانورامية فانتهت إلى وصف الفيل على طريقة العميان الستة الذين سقطوا عليه فوصف كل واحد منهم العضو الذي ارتطم به . . فقط .