السبت 5 نيسان (أبريل) 2014

مفارقة “يوم الأرض” و“ساعة الأرض”

السبت 5 نيسان (أبريل) 2014 par د. محمد السعيد ادريس

مرت ذكرى “يوم الأرض” الفلسطيني خافتة وباهته في كافة أنحاء الوطن العربي وبشكل لا يقارن أبداً من تفاعلات العالم مع ما يعرف بحملة “ساعة الأرض” إذ لم يفصل بين الحدثين زمنياً غير ساعات قليلة . فقد أطفئت الأنوار في حوالي سبعة آلاف مدينة في 157 دولة مساء السبت الفائت (29 مارس/آذار 2004) في إطار المشاركة الإيجابية في حملة “ساعة الأرض” التي تهدف إلى لفت الانتباه إلى مخاطر “التبدل المناخي” والتوعية بالمخاطر المحدقة بالبيئة، لكن في “يوم الأرض” الفلسطيني لم يجد مَنْ يشارك في إحياء معاني الصمود البطولية للدفاع عن أرض فلسطين وهويتها العربية التي تتعرض لأعنف حملة إبادة على أيدي حكومة الكيان الصهيوني، وتخاذل العرب عن إدراك معنى تصفية الهوية العربية لأرض فلسطين والسماح بتهويدها وتفريغها من شعبها .
لقد شكل يوم الأرض الفلسطيني الذي ارتبط بأحداث صمود بطولية نادرة لعرب فلسطين 1948 وانتفاضتهم داخل الكيان الصهيوني يوم 30 مارس/آذار عام ،1976 علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني باعتباره اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بهويتهم الوطنية والقومية، وحقهم في الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والتنكيل التي تمارسها سلطات الاحتلال بحقهم .
ففي يوم السبت الموافق 30 مارس/آذار عام 1976 هب الشعب الفلسطيني ليصرخ بأعلى صوته “أنا عربي . . أنا فلسطيني” الأرض أرضي .
كانت هذه هي صرخة يوم الأرض، وكان هذا هو معنى الإحياء السنوي لذكرى يوم الأرض، الذي مرّ هذا العام من دون مشاركة عربية تقارن بمشاركة العرب والعالم في فعاليات حملة “ساعة الأرض” .
طبيعي أن يعطي لنا العالم ظهره ولا يشاركنا الدفاع عن حقوقنا المهدرة حتى ولو كان الدفاع رمزياً على نحو احتفالات العالم ومشاركته ل “ساعة الأرض” التي بدأتها سنغافورة وحرصت على الحفاظ عليها منذ عام ،2007 وأثبتت مصداقية في الدفاع عن هدف يحظى باحترام العالم .
ماذا يعني إهدارنا للمعاني الرمزية في نضالنا؟
السؤال مهم لأنه يعبر عن “حالة يأس” عربية في الحاضر وفي المستقبل، وهو يأس مردوده سلبي ولا يحظى بأدنى درجة من أي احترام، يأس يعكس العزوف عن الفعل حتى ولو كان رمزياً .
أشياء كثيرة يستطيع المواطن العربي أن يفعلها بعيداً عن انتظار أدوار الحكومات . ماذا سنخسر لو أعطينا يوم الأرض كل المعاني الجميلة وتحدثنا عنه مع العالم لنجعله عيداً لاحترام الأرض والوطن .
أتذكر أن العالم كان لسنوات طويلة يحتفل بما يسمى ب “يوم الطالب العالمي”، كان اتحاد الطلاب العالمي، وهو منظمة كانت تنتمي إلى المعسكر الاشتراكي ومقره في مدينة “براغ” “تشيكوسلوفاكيا” هو مَن يقود دعوة الاحتفال بيوم الطالب العالمي، كان هذا الاحتفال يوم 21 فبراير/شباط من كل عام، وكان دافعه هو إحياء ذكرى استشهاد الطلاب المصريين في هذا اليوم من عام ،1946 يوم أن خرج طلاب جامعة القاهرة يتظاهرون ضد حكومة إسماعيل صدقي، الذي أعطى الأوامر لقوات الأمن بأن تفتح كوبري عباس وإطلاق الرصاص على الطلاب المتظاهرين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين فوق الكوبري (الجسر) بين ضفتي نهر النيل، فسقط منهم الشهداء والجرحى، تخليد الحركة الطلابية المصرية لهؤلاء الشهداء على مدى سنوات هو ما أقنع اتحاد الطلاب العالمي بجعل هذا اليوم يوماً للطالب في كل أنحاء العالم، وعندما قام الرئيس السادات بتصفية الحركة الطلابية المصرية، وحل الاتحاد العام لطلاب مصر ومنع النشاط السياسي في الجامعات، توقفت احتفالات الطلاب بيومهم واندثرت الذكرى، تماماً كما هو حادث اليوم بالنسبة لذكرى يوم الأرض الفلسطيني .
إحياء الشعب العربي لهذا اليوم ضرورة وطنية وقومية، وفي مقدورنا أن نجعله يوماً يحتفل به العالم ويحترمه شرط أن نحترمه نحن، والاحترام لن يكون فقط بالاحتفالات والمهرجانات ولكن بالإصرار على المعاني التي خرج من أجلها أهل فلسطين في ذلك اليوم المشهود ليدافعوا عن أرضهم وهويتهم يجب أن نعلي شأن الهوية الوطنية الفلسطينية، وأن نؤكد عروبة فلسطين، وجذرية الصراع مع الكيان الصهيوني باعتباره صراعاً بين مشروعين وهويتين: المشروع الحضاري العربي والمشروع الصهيوني الاستعماري الغربي، صراع حول الوجود، صراع شعبين على أرض واحدة .
هم داخل الكيان يؤكدون أنهم يخوضون معنا صراع وجود، هم ينبذون دعوة حل الدولتين، ويؤكدون أن “إسرائيل” (وليست فلسطين) دولة واحدة لشعب واحد هو الشعب “اليهودي” .
الرسالة التي يريد نتنياهو أن تصل إلى اليهود داخل الكيان أن الدولة لهم من دون غيرهم من سكان “إسرائيل” أي من العرب، ومن هنا جاء تحرك وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان لإعداد فتوى قانونية تسوغ فكرة “تبادل السكان وتبادل الأراضي” بأن يتم تحريك حدود الكيان شرقاً إلى الضفة الغربية المحتلة وضم المستوطنات إلى الكيان الصهيوني من ناحية وتعويض الفلسطينيين بمناطق بديلة في منطقة المثلث ووادي عارة بضمهما إلى الدولة الفلسطينية المقترحة شرط أن يتم نقل كل الفلسطينيين المقيمين داخل الكيان إلى مناطق الدولة الفلسطينية المقترحة! كي تكون “إسرائيل” دولة يهودية خالصة .
هذا النوع من التفكير يتطور ويتحول إلى إجراءات في ظل صمت عربي وفلسطيني، حيث نشرت صحيفة “هآرتس” أن المستشار القانوني لوزارة الخارجية “الإسرائيلية” رفع في 17 فبراير/شباط الماضي إلى ليبرمان وثيقة تقع في 18 صفحة تحت عنوان “تبادل الأراضي - نقل السيادة على أرض مأهولة في إطار تسوية دائمة مع الفلسطينيين - جوانب قانونية” .
هكذا يخططون ويتحركون في الاتجاه المعاكس تماماً لكل المعاني والقيم النبيلة التي يتضمنها يوم الأرض الفلسطيني الذي تجاهلناه، وتناسينا سهواً أو عمداً، أننا بقدر ما نتجاهل اليوم بقدر ما نتجاهل معانيه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2182430

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2182430 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40