لعل أهم الإفرازات الإيجابية لثورات التحول العربي، والثورة في مصر وما ارتبط بها من تداعيات سياسية علي المشهد السياسي الفلسطيني وتحولاته هو الوصول إلى اتفاق بين فتح وحماس على توقيع اتفاق غزة للمصالحة في الثالث والعشرين من شهر إبريل الماضي، والدعوات الشبابية الفلسطينية في الضفة وغزة ورفعها شعار “الشعب يريد إنهاء الانقسام” . . و“الشعب يريد إنهاء الاحتلال” . هذا الاتفاق رغم أنه أعاد قدراً من التفاؤل لدى المواطن الفلسطيني للحد من معاناة الحصار والاحتلال، يحمل في طياته وبالمقابل قدراً من الخوف من الفشل بسبب فشل ستة اتفاقات مصالحة قبل ذلك، رغم أن هذا الاتفاق ليس جديدًا في بنوده، بل هو تأكيد لاتفاق القاهرة والدوحة .
والفشل هذه المرة له نتائج خطرة على مستقبل كل من حركتي فتح وحماس، ولا ننسى أن سنوات الانقسام عمقت من جذور أزمة الثقة بين القوتين لاعتقاد كل منهما أن الآخر يريد إقصاءه، والتخلص منه، والخوف من عدم القدرة على مواجهة الضغوط التي قد تفرضها الولايات المتحدة، و“إسرائيل” . وشروط الرباعية التي لم تكتف باعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها، وتريد اعترافاً من حماس حتى تستنفذ ما تبقى للفلسطينيين من أوراق قوة تفاوضية، وبعيداً عن التشاؤم تترسخ عوامل التفاؤل التي تدفع في اتجاه المصالحة، والمهم في سيناريو المصالحة أن تبدأ ولو بخطوات صغيرة ومحسوبة وتعرف هدفها النهائي . وبعيدًا أيضاً عن البحث في الأسباب التي دفعت الحركتين نحو المصالحة هذه المرة، تبقى الحالة الفلسطينية وخصوصيتها التي يحكمها الاحتلال “الإسرائيلي”، والمتغيرات الإقليمية والدولية هي التي تفرض حتمية العودة لوحدانية القضية والشعب الفلسطيني، وإذا كان لي أن ألخص الأسباب، فهناك سبب واحد وهو أن الانقسام شكّل خياراً مدمراً وخطراً على مستقبل كل من فتح وحماس، هذه هي خلاصة سبع سنوات من الانقسام، فحماس لم تجد نفسها مع استمرار الانقسام، وفتح أيضاً لم تجد نفسها مع الانقسام، وهذا هو سبب فشل كل الخيارات الفلسطينية، مفاوضات ومقاومة . ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نتجاهل ما رسخته سنوات الانقسام من بنية انقسام، ومن منظومة قيم، ومن قوى مستفيدة، ومن قوى إقليمية ودولية تريد الانقسام أن يستمر . وليس لي أن أذهب بعيداً أن حماس تريد غزة، ولا ضرر في ذلك، ولكن من خلال الكل والشرعية الفلسطينية الكاملة، وهذا ما أدركته حماس، وهذا أيضاً الدافع الرئيسي الذي يفسر لماذا وافقت حماس على المصالحة، لأنها بالمصالحة لن تخسر غزة . وبقدر ما توجد عوامل دافعة للمصالحة، توجد عوامل وقوى لا تريد للمصالحة أن تنجح، وفي يقيني أن التحدي الأكبر في طريق المصالحة هو ما مدى قدرة ورغبة كل من فتح وحماس على الاتفاق والتوافق فيما بينهما، وفي إطار مشروع سياسي وطني من المرونة والاتساع ليجمع بين حركتين متباعدتين إيدولوجياً وفكرياً ومرجعيتين متباعدتين، وقد يكون الموحد بينهما كونهما أولا حركتين وطنيتين فلسطينيتين هدفهما إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، وقيام دولة فلسطينية .
يبقى هذا التباعد يشكل تحدياً، ولكنه ليس مستحيلاً . في ضوء كل ما سبق تتعدد السيناريوهات المتوقعة للمصالحة، وتتراوح بين سيناريوهين عريضين إما سيناريو الفشل، أو سيناريو النجاح . وعموماً هناك من يتوقع ثلاثة سيناريوهات سيناريو الاتفاق الجزئي، بمعنى الاتفاق على بنود معينة كقضية المعبر . وسيناريو الاتفاق المؤقت، والذي يتوقف بزوال الأسباب التي دفعت كلاً منهما إلى الاتفاق كتجاوز الأزمة المالية لحماس أو حدوث تحولات إقليمية في مصلحة الحركة، وبالنسبة للسلطة وفتح تجاوز أزمة المفاوضات، والسيناريو الثالث وهو سيناريو الطموح الوطني، وهو النجاح التام وتوقيع كل بنود الاتفاق، وهذا يتوقف على تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية، وتغليب هدف الوحدة الوطنية على أي هدف آخر، والقدرة على مواجهة كل الضغوط التي قد تمارسها الولايات المتحدة و“إسرائيل”، والقوى الإقليمية والداخلية التي قد تقف في طريق إكمال المصالحة لأنها فقدت ورقة القضية الفلسطينية، وأيضاً التخلص من النزعة الأمنية لكل منهما . وعموماً نقطة الارتكاز في نجاح هذا السيناريو هو الاعتراف بوجود بنية انقسام حقيقية، قد يصعب التغلب عليها بقرار أو بانتخابات وأن الأمر يحتاج إلى رؤية تصالحية، ومنهاج وظيفي متدرج لإحلال بنية مصالحة كاملة محل بنية الانقسام القائمة .
الثلاثاء 20 أيار (مايو) 2014
سيناريوهات المصالحة الفلسطينية
الثلاثاء 20 أيار (مايو) 2014
par
ناجي صادق شراب
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
52 /
2189807
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
13 من الزوار الآن
2189807 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13