لمن ينسون أو لا يعرفون فإنّ أوسلو هي عاصمة النرويج، وقد التقى فيها مفاوضون «إسرائيليون» وفلسطينيون عام 1993 على عجل من وراء الوفد الفلسطيني الذي كان يفاوض في مؤتمر مدريد، وقد طلبت منه أمريكا أن ينتقل مع الوفد «الإسرائيلي» إلى واشنطن منسلخاً عن الوفد الأردني الذي احتضن وفد فلسطين برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي، وبعد عدة لقاءات في غرفتين منفصلتين بينهما وسيط أمريكي رضيت «إسرائيل» بأن تفاوض الجانب الفلسطيني منفرداً وليس من خلال الوفد الأردني، كما كان شرطها في بداية مؤتمر مدريد. وكان رئيس الوفد الفلسطيني حيدر عبد الشافي عنيداً صلباً لم يتمكّن «الإسرائيليون» من النيل منه، وكما قال عبد الشافي أن يستمر الاحتلال «الإسرائيلي» لعشر سنوات أخرى أهون علينا من التنازل ولو عن شبر واحد من الأرض. المهم أن تؤول الولاية لنا على أرضنا وحدنا في نهاية المطاف دون أن يكون لليهود وجود فيها بعد الاستقلال.
كانت الأمور تسير بهذا المنطق وذاك العناد، وإذا بالقيادة الفلسطينية، خاصة عرفات ورفاقه محمود عبّاس وأحمد قريع والدكتور نبيل شعث ومعهم فيصل الحسيني، يُجرون حوارات جانبية مع «إسرائيل» في أوسلو عاصمة النرويج، وإذا بهم يصلون إلى اتفاق بعيداً عن عناد حيدر عبد الشافي، وتم الإعلان عن ذلك الاتفاق بسرعة وبحضور دولي ورعاية أمريكية روسية شكلية، وسط جو احتفالي مهيب في حديقة البيت الأبيض الأمريكي يوم 13/9/1993، وقد حضره عدد كبير من زعماء العالم، ووقّع كل من شمعون بيريز ومحمود عبّاس على نسختي الاتفاق، وقد انتقد معظم قادة الشعب الفلسطيني ذلك الاتفاق واعترضوا عليه، وقال الرئيس ياسر عرفات قولته الشهيرة لكل من اعترضوا :
إذا كنتم تعترضون على عشر نقاط فأنا أعترض على مئة بند فيه.
وقال للأخ صخر حبش (أعني يحيى حبش) عضو مركزية «فتح»، عندما رافقه في رحلة إلى الصين بناءً على طلبه : ومتى كنت يا صخر أخاف من النصوص؟ سأغيّر كل شيء لا يعجبني! فقال لي صخر: وبهذا وافقت على اتفاق أوسلو! وحاول المسكين منذ البداية أن يفعل شيئاً ظناً منه أنّه يتعامل مع الفصائل الفلسطينية، حيث اصطحب معه في سيارته حين عاد إلى أرض الوطن في غزة الأخ ممدوح نوفل أحد قادة الجبهة الديمقراطية، وهو غير مصرّح له بذلك من قبل «إسرائيل»، فأصرّت هذه على عدم دخول نوفل آنذاك إلى أرض الوطن فعاد الرجل ليعود بموافقة يهودية بعد شهرين من ذلك اليوم.
وكما هو الحال في جائزة نوبل العالمية للسلام فقد أمرت أمريكا اللجنة المشرفة على تلك الجائزة بأن تمنحها في ذلك العام إلى كل من الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق رابين صاحب سياسة تحطيم عظام شباب الانتفاضة الأولى سنة 1990 وشيمون بيريز وزير خارجيته والأخ ياسر عرفات قائد الثورة الفلسطينية، ورفضت «إسرائيل» أن يتساوى اللص المجرم مع الفلسطيني الذي اغتصبت بلاده في تلك الجائزة، وتم حرمان محمود عبّاس منها فبقيت الجائزة ثلاثية.
وعند تطبيق بنود اتفاق أوسلو بدأت «إسرائيل» تماطل وتتهرب من المواعيد، وقال رابين قولته التي تصدّرت السياسة «الإسرائيلية» بعد اتفاق أوسلو الذي تم التوقيع عليه في 13/9/1993، ليعاد التوقيع من جديد على نسخة توضيحية له في القاهرة في شهر أيار 1994، وسجّل التاريخ قولة رابين «لا توجد مواعيد مقدّسة»، وأهم تلك المواعيد المقدّسة أنّ «إسرائيل» في عهد رئيسها الجنرال شارون وخليفته أولمرت قامت بتدمير كل اتفاق أوسلو وألغت كل بنوده، خاصة مدة الانتهاء من تطبيقه «خمس سنوات من 1994 - كانون الأول 1999»، ولم تُبقِ منه إلاّ بند التنسيق الأمني، ويصرّ الرئيس الفلسطيني (...) محمود عبّاس على الإبقاء على هذا البند، ويساعده في ذلك ساعده الأيمن وحليفه الذي حمل معه لقب مهندس أوسلو. ولنا مع بقايا هذا الاتفاق لقاء آخر!