السبت 11 كانون الثاني (يناير) 2014

انشقاق “القاعديين” بين الدوافع والنتائج

السبت 11 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. عصام نعمان

اندلعت الحرب بين “الدولة الإسلامية في العراق والشام-داعش” وسائر التنظيمات “القاعدية” المقاتلة في سوريا .
لم يُفلح أمير “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في فرض نفسه “حكماً أعلى” بين “داعش” وخصومه المتصارعين “لإنقاذ الساحة من الضياع” . أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم “داعش”، تجاهل الجولاني ووساطته المتأخرة وتوجّه في تسجيلٍ صوتي إلى مقاتلي تنظيمه بصرخة الحرب: “احملوا عليهم حملةً واسحقوهم سحقاً ( . . .)” . لم يوفّر معارضي الخارج . حمل عليهم بقوله: “الائتلاف والمجلس الوطني وهيئة الأركان والمجلس العسكري طائفة ردة وكفر”، معلناً رصد “مكافأة لكل من يقطف رأساً من رؤوسهم” .
الحرب اندلعت قبل دعوة الجولاني للتحكيم وصرخة العدناني للسحق وقطف الرؤوس . فقد تمكّنت التنظيمات المعادية ل “داعش”، وفي مقدمها “الجبهة الإسلامية” بقيادة زهران علوش، من طرد مقاتليه من مواقع حدودية مهمة (بين سوريا وتركيا) في أطمة والأتارب ومنبج، وحي الشيخ سعيد داخل حلب ، وهددت مواقعه في ريف حلب الشمالي، وحاصرته في ريف إدلب الشمالي .
غير أن “داعش” سرعان ما لعق جراحه وانتقل من الدفاع إلى الهجوم، محرّكاً “ارتال الدعم من دير الزور والرقة إلى حلب بقيادة رأس حربة الجهاديين عمر الشيشاني لسحق كلاب الصحوات الكفّار”، كما أكدت مواقع الكترونية تابعة له .
ما سر هذا الانشقاق في صفوف تنظيمات “الإسلام القاعدي” وتطوره إلى حربٍ ضروس فيما بينها؟
ثمة أسباب ودوافع كثيرة، معقدة وملتبسة ما يجعل دراستها مسألة في غاية الصعوبة . فمن قائل إن أجهزة استخبارات الجيش العربي السوري تمكّنت من اختراق طرفي الصراع، ولاسيما “داعش” و“الجبهة الإسلامية”، ونجحت في تأليبهما على بعضهما بعضاً . ومن قائل إن الولايات المتحدة ضاقت ذرعاً بعمليات “داعش” الدموية وانعكاساتها السلبية على صدقية المعارضة السورية في الداخل والخارج، فسعت من خلال السفير روبرت فورد إلى سلخ “حركة أحرار الشام” عن “داعش”، وإلى إقناع فصائل أخرى بالانضمام إلى جبهة ائتلافية جديدة توافق على أن تتمثل في مؤتمر “جنيف -2” .
“داعش” اتهم الولايات المتحدة ودولاً إقليمية بأنها خططت ونجحت في استدراج “جبهة النصرة” و“الجبهة الإسلامية” و“حركة أحرار الشام” وغيرها إلى معاداته “لتصفية مشروع الدولة الإسلامية، وللظهور بمظهر محاربة الإرهاب، ولتشتيت المجاهدين غير السوريين، ولتنصيب حكم عميل، فتصبح السجون في انتظار من يبقى حياً منهم” .
المفارقة أن “جبهة النصرة”، التي كانت حتى الأمس القريب معادية لأمريكا ولحضور مؤتمر “جنيف- 2”، تُعطي للانشقاق أسباباً أخرى غير ما يجري اتهامها به، أبرزها “الاعتداءات والتجاوزات والسياسة الخاطئة التي يتبعها”داعش“وادت إلى تأجيج الصراع” . غير أن الجبهة وعدت نفسها وحلفاءها بأن “هذه الفتنة ستزول وستعود الصفوف للرصّ من جديد وستكون هناك صفحة جديدة من الانتصارات” .
هكذا يتضح أنه من الصعب تقويم واقع الصراع وأبعاده ومستقبله بين تنظيمات “الإسلام القاعدي” بالنظر إلى تعدد الأسباب والدوافع وتشابكها وارتباطها بقوى وعوامل خارجية مؤثرة ووازنة . لذلك يُستحسن مقاربة الصراع من زاوية نتائجه المحسوسة ميدانياً وسياسياً وانعكاسها على مؤتمر “جنيف- 2” المقرر عقده في مونترو بسويسرا . في منظور هذه المقاربة تتكشف نتائج خمس:
* أولاها، إن حرباً حقيقية يدور رحاها الآن بين “داعش” من جهة وسائر الفصائل المسلحة للمعارضة السورية في محافظات إدلب وحلب والحسكة والرقة ودير الزور وحمص من جهة أخرى، وإن ضحاياها بالمئات بين مقاتلي الطرفين فضلاً عن المدنيين الأبرياء، وإن “داعش” صمد في مواقعه التي لم تكن قد سقطت في أيدي خصومه قبل أن يباشر هجومه المضاد بقيادة عمر الشيشاني .
* ثانيتها، إن ثمة أساساً لاتهام “داعش” خصومه بأنهم كانوا على تواصل مع السفير روبرت فورد ومسؤولين استخباريين أمريكيين آخرين، وإن هؤلاء تمكنوا من إقناعهم بفك تحالفهم معه وبمحاولة طرده من المواقع التي يسيطر عليها في أرياف محافظات أدلب وحلب والرقة ودير الزور، وإن السلطات التركية منخرطة في مخطط دعم التنظيمات الصديقة لأمريكا والسعودية بدليل إغلاقها، من جهتها، المعابر الحدودية في محافظتي أدلب وحلب التي كانت في قبضة “داعش” .
* ثالثتها، إن ثمة تنسيقاً، على ما يبدو، بين الحملة التي تقودها حكومة نوري المالكي على تنظيم “داعش” في العراق (الذي سيطر على مدينة الفلوجة وقسم من مدينة الرمادي) وبين الحملة التي تقودها “جبهة النصرة” على “داعش” في ارياف المحافظات السورية الشمالية والشرقية، وإن التوقيت المتزامن للحملتين يرمي إلى إضعاف “داعش” الذي بات مضطراً إلى القتال على جبهتين .
* رابعتها، إن قيادة الجيش العربي السوري التي كانت تتفرج بغبطة على احتراب خصومها “القاعديين” في شمال سوريا وشرقها قررت استثمار الفرصة الذهبية المتاحة، فأمرت قواتها بالانتقال إلى الهجوم ما أدى إلى سيطرتها على حيّين في حلب كانا في قبضة “داعش” ومواقع أخرى في ريف حمص وريف دمشق الشرقي والغربي .
* خامستها، إن من المبكر التكهن بتأثير الحرب الدائرة بين “داعش” وخصومه على مؤتمر “جنيف -2” وذلك بسبب الصعوبة التي يواجهها طرفا الصراع في حسم الموقف على الأرض قبل موعد انعقاد المؤتمر في 22 الشهر الجاري . حتى لو انتصر خصوم “داعش” على الأرض، فإن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى موافقة جميع الفصائل المقاتلة على انعقاد المؤتمر وعلى تمثيلها فيه مباشرةً او مداورة .
كل ذلك يعزز رأي فريق من المراقبين والمحللين الذين يعتقدون بأن مآل الحرب في سوريا وعليها لم يعد له علاقة بمطالب الحرية والديمقراطية والكرامة والإصلاح إنما بتدميرها على غرار ما حدث في العراق لتعزيز ما يُسمى “أمن”إسرائيل“” وذلك برسم خريطة جيوسياسية جديدة للمشرق العربي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2183275

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2183275 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40