الاثنين 6 تموز (يوليو) 2020

ماذا بعد؟ الفلسطينيّون يتلاحمون ترامب يرتبك، نتنياهو يتريّث…‏

الاثنين 6 تموز (يوليو) 2020 par د. عصام نعمان

تلاقى الفلسطينيون بعد طول تباعد، تلاقيهم على طريق اتحادهم كان مفاجأتهم لأنفسهم كما لأعدائهم. القادة الصهاينة ومن ورائهم نظرائهم الأمريكيون راهنوا طويلا على انقسام الفلسطينيين على أنفسهم، وتنافس فصائل المقاومة على الصدارة والنفوذ.
صحيح أن الفلسطينيين تأخروا في التلاقي على طريق توحيد الموقف، وتفعيل المقاومة، لكنهم استدركوا تقصيرهم وباشروا التلاحم في وجه الأعداء في الوطن والشتات، مجرد التلاقي، ولاسيما بين «فتح» و»حماس»، أقلق الأعداء واضطرهم إلى إعادة النظر بحساباتهم.
كان بنيامين نتنياهو يتطلع إلى بدء عملية ضمّ مناطق في الضفة الغربية، بحلول الأول من تموز/يوليو، لكن في اليوم نفسه صدر بيان عن حكومته يقول إنه عقد اجتماعاً مع كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، لمناقشة مسألة فرض السيادة على مناطق الضفة. من التعهد القاطع بالتنفيذ تريث نتنياهو بسرعة لافتة متحوّلاً إلى مناقشة ترتيبات الضم. مخطط نتنياهو للضم تعرّض لانتقادات دولية شديدة، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والفاتيكان، فضلاً عن دول كثيرة عربية وإسلامية وأجنبية قالت إن ضمّ «إسرائيل» مناطق فلسطينية سينتهك القانون الدولي، ويقوّض الاحتمالات (المتضائلة أصلاً) لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، حتى الولايات المتحدة، حليفة «إسرائيل» وحاضنتها التاريخية، أبدت مداورةً، تحفظاً بشأن بدء عملية الضم في الأول من يوليو. كبار مسؤوليها السياسيين والأمنيين عقدوا اجتماعات متتالية لتخريج موقف يحفظ ماء وجه الرئيس المرتبك والغارق، وسط احتدام معركته الانتخابية، في طوفان من الانتقادات والتشنيعات على مستوى العالم برمته. في غمرة هذا الحَرج، تهرّب وزير الخارجية مايك بومبيو بالقول، إن واشنطن تعتبر مسألة الضم قراراً يخصّ «إسرائيل».

قبل تصريح بومبيو وبعده، كان المسؤولون الإسرائيليون قد انقسموا حول مسألة تنفيذ الضم وتداعياته، بعضهم رفضه لأنه ينطوي بالضرورة على وضع عشرات آلاف الفلسطينيين تحت سيادة الكيان الصهيوني، ما يؤدي لاحقاً إلى قيام دولة ثنائية القومية، وذات أكثرية عربية ومسلمة بين سكانها. بعضهم الآخر، وجلّه من أهل اليسار، تخوّف من أن يؤدي الضمّ ليس إلى تقويض يهودية الدولة فحسب، بل إلى التمييز الشديد ضد «مواطنيها» من غير اليهود أيضاً، ما يرسّخ صورتها كدولة أبارتهايد (تمييز عنصري) مكروهة من الدول والشعوب.ئصحيح أن الضمّ الآن أرجئ، لكنه لم يُلغَ قط. كثيرون من المراقبين في «إسرائيل» وفي أمريكا يعتقدون أن كلاًّ من نتنياهو وترامب مضطر إلى السير مجدداً في مخطط الضمّ، ولو الجزئي، لاعتبارات شخصية وسياسية. نتنياهو مهجوس بمسألة ملاحقته جزائياً بتُهَم الفساد والرشوة، ما يستوجب بقاءه رئيساً للحكومة لضمان تبرئته من جهة، ومن جهة أخرى لتعزيز طموحه إلى أن تتخطى سمعته وإنجازاته تراث ديفيد بن غوريون، فيصبح هو «ملك إسرائيل» في تاريخها المعاصر.
ترامب يؤرقه شبقه المضني للفوز بولاية رئاسية ثانية، ما يدفعه إلى تأمين تصويت جماعتين كثيفتي العدد والنفوذ إلى جانبه، الإنجيليين واليهود، وذلك بتجديد تحبيذه البدء بتنفيذ قرار الضم. لهذا الغرض، صعّدت جماعات الإنجيليين ضغوطها على ترامب من أجل الدفع قُدُماً في مخطط ضم مناطق الضفة الغربية إلى «إسرائيل». أحد أبرز قياديي هؤلاء مايك إيفانس قال لصحيفة «يديعوت أحرونوت» (2020/7/2) «إن قدرة الرئيس ترامب على الفوز في انتخابات الرئاسة، ستُحسم بأصوات الإنجيليين، ولن يكون بمقدوره الفوز من دوننا، وأيّ مستشار يحثه على التراجع عن تأييد الضم يتسبّب بإبعاده خارج البيت الأبيض، ولو كنتُ مكان نتيناهو لضغطت على ترامب من أجل تنفيذ الضم قبل انتخابات الرئاسة الامريكية».
ماذا على الصعيد الفلسطيني؟ لم يتضح بعد ما جرى الاتفاق على اعتماده عملياً لمواجهة قرار الضم، حتى لو كان جزئياً، غير أن ما يمكن استخلاصه من تصريحات وخطابات ومواقف قادة فصائل المقاومة المؤيدة لاجتماع قياديي «فتح» و»حماس» اتفاقهم على توحيد الجهود الرامية إلى مقاومة «صفقة القرن» بكل أبعادها وتحدياتها. لن يكشف، بطبيعة الحال، أيٌّ من فصائل المقاومة القرارات السرية العملانية، التي يمكن أن يكون قادة «فتح» و»حماس» قد اتخذوها، منفردين أو متحدين، لمواجهة عملية الضمّ ميدانياً، إلاّ أن نبرة القياديين في تصريحاتهم من جهة، وتسريبات أو تخمينات بعضهم من جهة أخرى، توحي بأن ثمة توافقاً على إشعال انتفاضة شعبية مديدة ضد الاحتلال في الضفة الغربية، بالإضافة إلى جميع ساحات الوجود الفلسطيني، بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1948. هل ثمة اتفاق بين كبريات الفصائل الفلسطينية على مواجهة اعتداءات «إسرائيل» بهجوم معاكس على جميع الجبهات في الشمال والجنوب والشرق، بالاتفاق مع قيادات محور المقاومة؟ لا جواب صريح في هذا المجال، من أيّ قيادي فلسطيني وازن، غير أن مراقبين مقربين من قيادات المقاومة، الفلسطينية والعربية، يستبعدون ذلك لأسباب ثلاثة:
*أولها لأن فصائل المقاومة جميعاً منشغلة داخل أقطارها بأزمات وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، تجعلها مضطرة إلى اعتبارها أولى بالاهتمام في الوقت الحاضر.
*ثانيها لأن «إسرائيل» ذاتها تبدو منشغلة بمشكلات داخلية، ليس أقلها اندلاع موجة ثانية من جائحة كورونا، كما هي قلقة من تحوّل ميزان الردع في الصراع إلى كفة المقاومة، لاسيما حزب الله، بعد ثبوت امتلاكه عدداً وفيراً من الصواريخ الدقيقة.
*ثالثها لعدم توافر أوضاع دولية ملائمة لـِ»إسرائيل» لتوسيع رقعة تحديها للمجتمع الدولي، ولأحكام القانون الدولي المتعارضة مع سياسة الضمّ والتهويد واقتلاع السكان الأصليين.
غير أن هذه الاعتبارات كلها لا تصمد أمام تصميم رئيس أمريكي بالغ العنهجية والتطرف، ويصعبالتنبؤ بنزواته وتصرفاته، ورئيس حكومة إسرائيلي مُترع بحب التسلّط والصدارة، وبرغبة جامحة لتغطية ارتكابته الجنائية والهروب من حكم العدالة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2183484

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2183484 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40