لو أحصينا حجم ما تعرضت له منطقتنا العربية منذ مئات السنين لربما قلنا إنها انقرضت تماما .. لكننا حين نقرأ “كنتم خير أمة أخرجت للناس” فنكاد نعرف سبب بقاء تعاقب الأجيال وتكاثرها .. هنالك دائما عمليات ترميم للأحداث ونتائجها، تأتي كالبرق، تصنع ما تصنع، تترك وراءها فواجع وعذابات وآهات، ثم تمضي لتصبح في دائرة النسيان.
غريبة هذه المنطقة، وغريب هم العرب .. انهم في دائرة المحن لو فتحنا كتب التاريخ وتصفحنا .. معاناتهم لم يسبق ان عاناها شعب آخر، مصيرهم كان دائما على المحك، نفوسهم كم ضاعت وتاهت، ومع ذلك ظلوا وبقوا إلى ان كنا نحن من نسلهم، لأننا ببساطة لا نعرف من هم اجدادنا الحقيقيين، ولا نعرف من اين خرجنا ولأي سبب .. نعرف اللحظة، ونميل إلى قراءة جزء من تاريخنا في المكان الذي ولدنا فيه.
ما نمر به اليوم رآه من عاشوا زمنهم .. ما نتعذب من اجله عرفته اجيال قبلنا، يكفي ان نتعرف على مبدأ القلاع والحصون التي تتوزع في بلادنا كي نتأكد مفهوم الأخطار التي عاشته تلك الأجيال وحاولت حماية نفسها قدر الإمكان من المذابح ومن ” داعشيي ” زمانهم.
تنطق ايامنا بسؤال المصير الذي سألته اجيال قبلنا .. كلما ادلهمت الخطوب وجدنا هنالك مخارج مهما كان وضوحها. تمكن الاعلام من تقديم صورة سريعة عما نحن فيه في مكان وكيف نتقلب على الجمر، مقابل امكنة عربية تتأمل المشهد من بعيد ولا تريده ان يصل إليها. ففاجعة فلسطين صارت ذاكرة، عانى منها من عاشها، لكنها ظلت معاناة شعب وأمة وكون. وحده مشهد فلسطين لم يغلق ابدا ولن يغلق، ووحدهم العرب من تحولوا إلى فلسطينيين حتى لو لم يشعروا بالأمر .. كادت ان تحصل فلسطينيات لكنها مرت بسلام تاركة وراءها صور مآسيها ..
اليوم نتأمله، مواعيده متجددة، لكنها حارة، ومثلما تعاقبت اسماء في الماضي، تتعاقب اليوم اسماء .. اختلف الوقت وبقيت المنطقة مفتوحة على عذاباتها، لكنها ظلت وفية لبقائها، وكلما زادت المخاطر، زاد الإصرار على محوها .. اخافتنا قفزة ” داعش” لكنها اعادت إلينا الصواب بسرعة، ففي سوريا كثير من هؤلاء الذين فرخوا، وكانوا قبلا في لبنان، واليوم هم في ليبيا، وغدا في مكان آخر .. تاريخ متنقل يحمل معانيه اينما حل، انه مصيبة فلسطين التي صنعت مصائب، ولكي تعيش« اسرائيل» على اطلال فلسطين عليها ان تتحكم بمفاصل المنطقة وتصنع احداثها وتديرها من خلال اذرعة ممتدة لها هنا وهناك.
هذا الليل الحالك الذي يطل دائما على المنطقة، ما زلنا نواجهه كما لو اننا نبدأ من جديد في كل مرة مواجهة، مما يعني اننا أمة ولادة لالتهاب الأحداث ولا تنقرض معها، بل تزيدها شموخا وعظمة .. في تاريخ بعض الشعوب ما هو مرئي وما هو غير مرئي، العرب من هذا النوع، انهم محكومون بسر البقاء الذي يحوي ايضا اسراره وخصوصيته، وتلك مسألة في غاية الغرابة لكنها واقعية لأن العرب الموجودين على خط الزلازل منذ تكوينهم تنبهوا إلى كونهم طلائع الشعوب، ومن كان في الطليعة يظل أول من ينال الضربات دائما.
لا نقول ذلك كمحاولة للتصدي لليأس الذي يتسلل عند كثيرين، بل لأن لا مواطن لهذا اليأس الا في افكار تصنعه بنفسها كي تتهرب من مسؤوليتها الوطنية والقومية.
الاثنين 16 حزيران (يونيو) 2014
امة ولاّدة
الاثنين 16 حزيران (يونيو) 2014
par
زهير ماجد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
33 /
2198694
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
16 من الزوار الآن
2198694 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 8