الجمعة 1 شباط (فبراير) 2019

«إسرائيل» أم الديمقراطية الأمريكية؟

الجمعة 1 شباط (فبراير) 2019 par محمد الصياد

في فرنسا أيدت «محكمة الاستئناف العليا» في أكتوبر/تشرين الأول 2015، إدانة 12 من نشطاء التضامن الفلسطينيين على خلفية دعواتهم لمقاطعة البضائع «الإسرائيلية»؛ بل صار مجرد ارتداء قميص عليه شعار حركة المقاطعة (بي دي أس)؛ يعدُّ الآن مخالفة قانونية (قد توازي عقوبة الجريمة الجنائية). وفي بريطانيا تعمل الحكومة على منع المجالس المحلية والهيئات العامة، وحتى بعض الاتحادات الطلابية الجامعية من مقاطعة الشركات التي تعمل في المستعمرات الاستيطانية «الإسرائيلية». هما نفس الدولتين (ومعهما أمريكا) التي قاومت الحملة الدولية المناهضة لنظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا العنصرية.
لكن «القانون ضد مقاطعة إسرائيل»، الذي يعمل المشرعون من الحزبين في الكونجرس الأمريكي منذ عام 2016 على إقراره؛ بهدف تجريم أنشطة «حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات»، وكذلك الأشخاص والجهات التي تتفاعل مع أنشطتها، حتى لو اقتضى الأمر الدوس على الدستور الأمريكي، وشعارات الليبرالية الأمريكية (تحت شعار كل شيء يهون في سبيل «إسرائيل»)؛ هو الأخطر والأكثر أبارتايدية في الحملة الأمريكية-الأوروبية الغربية على الحملة العالمية ل«حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» ضد «إسرائيل». وهو يتعارض مع قرار «مجلس حقوق الإنسان»، التابع للأمم المتحدة الصادر في 24 مارس/آذار 2016، الذي يحث الدول على الضغط على الشركات؛ للتخلي عن أو إنهاء التعاقد مع «إسرائيل»؛ وعوضاً عن ذلك، يدفع مشروع القانون بقوة نحو التطبيق الكامل لقانون الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» لعام 2014؛ من خلال «تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي بينهما على مستوى الحكومة في المناطق المدنية» (ويُقصد بها المستعمرات «الإسرائيلية»).
منذ «الثورات الملونة» في العالم العربي (مطلع عام 2011)، التي انكشفت مراميها، متمثلة في إشاعة الفوضى والتدمير والتمزيق والفرقة في العالم العربي، بين بلدانه وشعوبه، وصولاً إلى مكوناتها الاجتماعية الداخلية، وصعود نجم «إسرائيل»، بالمقابل، وتبجحها؛ بفرض نفسها عنوة على الأنظمة العربية - منذ ذلك العام، تتجاسر الصهيونية ونظام نتنياهو الحالي على التقدم خطوات واسعة؛ لتنفيذ مشروع سيطرتها الكاملة على العالم العربي، بالتواطؤ والتعاون مع الفاشية في جميع أنحاء العالم. فلا غرو، والحال هذه، أن يأخذ نتنياهو بالأحضان «الفرسان الجدد» لهذه الأجندات والسياسيات التي تحاكي الفاشية، من الفلبين، إلى المجر، وبولندا، وأوكرانيا، والولايات المتحدة، وليس انتهاءً بالبرازيل (في عهد رئيسها الجديد بولسونارو)، وبعض حكام جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية. مثلما أنه لم يكن مستغرباً الهجوم الفاشي الذي تعرض له صحفي من أبناء جلدتهم يعمل في صحيفة «هآرتس»، هو جدعون ليفي؛ بسبب مقال نشره مؤخراً، أبدى فيه عدم تعاطفه مع المستوطنين «الإسرائيليين» غير الشرعيين في الضفة الغربية؛ حيث دعا البعض على وسائل التواصل الاجتماعي إلى طرد ليفي من «هآرتس»، واتهامه ب«معاداة السامية»، وب«كراهية الذات اليهودية»، وتم نعته بال«خائن».
حتى الآن، لا تزال «بضاعة» «إسرائيل» ورجالها داخل هياكل النظام السياسي الأمريكي، تجد من «يشتريها» في الولايات المتحدة، وهي أن «وجود «إسرائيل» يخدم المصالح الأمنية للولايات المتحدة؛ عبر دعم الأخيرة لحليف استراتيجي في منطقة حيوية؛ لكنها متقلبة، وهو حليف يتشارك معها بشكل كامل في القيم الأساسية للشعب الأمريكي». فكان أن حظيت «إسرائيل»، منذ حرب أكتوبر 1973، بدعم هو الأضخم في التاريخ. فقد تلقت مساعدات عسكرية واقتصادية مباشرة بلغت في عام 2003، 140 مليار دولار، وهي تتخطى اليوم سقف ال 3 مليارات دولار سنوياً، تُجبى من دافع الضرائب الأمريكي بواقع 10.5 مليون دولار يومياً.
الأوساط الليبرالية والتقدمية في الولايات المتحدة؛ إذ تستنكر وتشجب مثل هذه السطوة الجبروتية ل«إسرائيل» داخل الولايات المتحدة، فإنها في الوقت الذي تعمل عبر وسائطها الإعلامية ووسائل تعبيرها الجماهيرية الأخرى، على فضح هذا التغول الصهيوني في بلادهم، بدأت تطلق ما يشبه الصرخة اليائسة؛ ومفادها تخيير المؤسسة الأمريكية الحاكمة بين الديمقراطية الأمريكية ودولة الأبارتايد في «إسرائيل». وهذه نبرة طوباوية لن تعرها المؤسسة أدنى التفاتة. فتفضيل الولايات المتحدة لمصالح شركاتها ومصارفها ونخبتها المتنعمة بامتيازات السلطة، على ديمقراطيتها ودستورها، لا يقتصر على الموضوع «الإسرائيلي»، وإنما يشمل كافة قضايا الكون. فما بين الديمقراطية الأمريكية و«إسرائيل» الأبارتايدية، من الواضح، أن الصفوة الأمريكية الحاكمة، اختارت التضحية بدستور بلادها وديمقراطيتها الليبرالية؛ من أجل «إسرائيل» الأبارتايدية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 104 / 2183476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد الصيّاد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2183476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40