السبت 11 أيار (مايو) 2019

لا حرب ولا سلم

السبت 11 أيار (مايو) 2019 par د. أيمن مصطفى

مع تفجر الأوضاع في قطاع غزة ومحيطه قبل أيام، بإطلاق عشرات الصواريخ والقذائف منه وهجمات الاحتلال الإسرائيلي المكثفة عليه برا وبحرا وجوا، عادت التحليلات التي تستنتج أن صيف المنطقة ساخن جدا وأن الحرب على الأبواب. ومع أن الوساطة المصرية نجحت في تهدئة الأوضاع في القطاع، إلا أن نغمة الحديث عن الحرب تظل قوية نوعا ما. والحقيقة أن تلك النغمة عند البعض سبقت أحداث غزة، وأخذت في التصاعد مع القرار الأميركي الشهر الماضي بإلغاء الاستثناءات من قرارات الحظر على إيران بهدف “تصفير” صادرات النفط الإيراني للخارج. ومع التصريحات “النارية” المتبادلة بين طهران وواشنطن، بدأت مقولات الحرب تكتسب زخما في الإعلام.
ورأى البعض في تصريحات قادة عسكريين إيرانيين، خصوصا من الحرس الإيراني الذي حظرته الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، بغلق مضيق هرمز في مدخل الخليج واستهداف المصالح الأميركية في المنطقة مقدمة لتصعيد سيجعل هذا الصيف مشتعلا. وبدأ من يسمون المحللون والمعلقون والخبراء الحديث عن نقاط اشتعال ومواجهة، من سوريا ولبنان إلى اليمن وباب المندب. وأشار هؤلاء إلى التغييرات التي أجرتها القيادة الإيرانية في رئاسة الحرس الثوري وإعلانها عن اختبار صواريخ جديدة، وغير ذلك من المؤشرات على أن “الكل يستعد” لحرب. ودعم البعض توقعاته باستمرار بنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات التي عززت دور اليمين المتطرف وما يبدو من مساحة أكبر لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ضمن فريق الرئيس دونالد ترامب المصغر. ومعروف عن بولتون أنه من المتحمسين للحروب و”التدخل العسكري الاستباقي” الأميركي حول العالم، وكان من فريق الصقور في التحضير لغزو أفغانستان والعراق.
حتى أن هؤلاء من أصحاب نظرية “الصيف الساخن” يرون أن تردد واشنطن في التدخل العسكري في فنزويلا ربما يشجع الذين تناصبهم أميركا وإسرائيل العداء في المنطقة على تصور أن التردد الأميركي سيكون أكبر بعيدا عن “فنائها الداخلي”. ورغم أن ذلك الرأي يجانبه الصواب ـ فبالنسبة لأميركا قد تكون الحرب البعيدة جغرافيا أكثر مناسبة من القريبة من حدودها ـ إلا أنه يبدو أيضا مبالغا في الشطط. فغزو أميركا لجرينادا في الثمانينيات من القرن الماضي جعل واشنطن تحسب حسابا لدول أميركا الوسطى والجنوبية وتراعي حساسيتهم للتدخل العسكري المباشر، حتى لو كانوا يوافقون أميركا في موقفها من هذا النظام أو ذاك. أما في منطقتنا، فلا توجد هذه الحسابات في الواقع بالنسبة لواضعي السياسة في واشنطن ويتعاملون مع الكافة فيها على أنهم “مضمونون الجانب”.
ومع كل ما يساق من مؤشرات وما تبدو مقدمات، إلا أن الأكثر احتمالا ألا يكون هذا الصيف ساخنا إلا بسبب التغير المناخي والاحتباس الحراري وليس بسبب الحرب الواسعة بين إيران ومعسكرها من جهة وأميركا وأصدقائها من جهة أخرى. بالطبع لا يمكن استبعاد أي شيء، وكما يقول المثل “معظم النار من مستصغر الشرر”، لكن الأرجح أن المنطقة ستظل في حالة “لا حرب ولا سلم” تذكرني بتلك الفترة التي سبقت حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل وكانت توصف في مصر بهذا الوصف. قد لا تقتصر السخونة على التصريحات النارية بين الإيرانيين والأميركيين، وقد ترتفع حرارة صراع هنا أو هناك، لكن ما يتحدث عنه البعض على طريقة “التفكير بالتمني” من حرب شاملة وواسعة تأتي بنتائج حاسمة فالأغلب أنها مستبعدة ـ على الأقل في المدى القريب.
فالتهديدات الإيرانية ليست بجديدة، والتهويل الإعلامي بقدرات إيران العسكرية يذكرنا بالتهويل من قدرات عراق صدام حسين وصواريخ “سكود” التي تصورنا أنها ستدمر تل أبيب. كذلك الخطاب التهديدي الأميركي بالرد العسكري لا يعني أن أميركا تسعى للحرب (ولا حتى إسرائيل في هذه الحالة) فالرئيس الأميركي رغم “فلتانه” على تويتر من نوع التجار والسماسرة الذين يهددون للوصول للحافة وجعل الطرف الآخر في أي صفقة يقبل بشروط لمصلحتهم كي يكسبوا بسهولة. وتبقى المشكلة الأساسية لهؤلاء “المضغوطين في المنتصف” في المنطقة. فكما تجد كوريا الجنوبية واليابان ـ وإلى حد ما الصين ـ الأكثر تأثرا بالسخونة والهدوء بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، كذلك سيكون الحال للقوى والجماعات المرتبطة بإيران في المنطقة وأصدقاء الأميركان أيضا.
فحالة لا حرب ولا سلم الحالية تضر بالأوضاع الاقتصادية، حتى مع تذبذب أسعار النفط وارتفاعها الطفيف أحيانا نتيجة تصريحات نارية من هنا أو هناك، كما أنها تزيد من الاستقطاب الحاد والضار في المنطقة والذي لا يخدم شعوبها ولا خطط التنمية والتطوير لحكوماتها. والخشية الحقيقية هنا أن تستمر هذه الحال لفترة أطول، ما يعني أن أوضاع دول المنطقة قد تتحمل أضرارا يصعب إصلاحها في زمن قصير. ففي مثل تلك الصراعات التي لا يتوقع لها “نهاية صفرية”، بمعنى قضاء طرف على الآخر تماما، تكون التبعات السلبية طويلة الأمد. وبما أننا ذكرنا فنزويلا سابقا، في سياق استعراض مبررات أصحاب نظرية الحرب هذا الصيف، فلنعد إليها كمثال على مخاطر حالة “اللا حرب واللا سلم”. فأيا كانت نتيجة الصراع الداخلي في فنزويلا سيظل الشعب هناك يعاني لسنوات وكذلك دول الجوار ومن لهم مصالح في التعامل مع ذلك البلد، ربما بما هو أشد ضررا من السياسات المدمرة لحكومتها التي تسعى واشنطن لتغييرها. وأتصور أنه هكذا سيكون حال إيران وإسرائيل، ومحيطهما، لسنوات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2183678

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع احمد مصطفى   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2183678 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 31


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40