منحت جائحة «كورونا» الساسة اللبنانيين فرصة ذهبية لو أنهم أحسنوا استغلالها؛ إذ إنها أجبرت الناس على الخروج من ساحات التظاهر، والتزام منازلهم، غير أن هؤلاء الساسة بدل أن يستغلوا تلك الفترة لإعادة ترتيب بيتهم الداخلي، وإيجاد حل لمعضلات شتى، أخذوا يكيلون الاتهامات لبعضهم، وكل فريق يلقي بتبعات ما جرى على الآخر، ويحمّله حالة التدهور الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد، متنصلاً من تحمل المسؤولية. وأمام تراشق الساسة، ظل الشعب ملتزماً الصمت، مانحاً الجميع الفرصة النهائية لانتشال البلاد مما تعانيه؛ لكن عندما بلغ السيل الزبى لم يجد اللبنانيون بُدّاً من النزول إلى الشارع والتظاهر مجدداً لتحقيق مطالبهم.ويبدو أن الحراك الجماهيري الذي انطلق في 17 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي سيعود إلى بريقه ، وبصورة أكبر لأن الأزمة المعيشية استفحلت كثيراً حتى بات مايفوق نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.
تظاهرات ما بعد كورونا ليست كما قبلها، فسقف المطالب ارتفع وربما لن تقف حدوده عند حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة أو رئيس الحكومة حسان دياب؛ بل قد تطال الطبقة السياسية كلها لاسيما أن الشارع كان أساس انتفاضته رفض النظام السياسي برمته والمطالبة بإعادة هيكلة مفاصل الدولة ومؤسساتها كافة بعدما نخرها التآكل الناتج عن الهدر والفساد ما أدى إلى أن تصبح خزينة الدولة خاوية وعاجزة .
الشعب اللبناني الذي راقب العالم بأسره رُقيّ تظاهرته في الفترة الماضية أجبرته النخب السياسية الحاكمة التي أصمّت آذانها عن مطالبه المشروعة إلى أن تنحو بعض فئاته طريق العنف المخالف لثقافة اللبنانيين؛ لكن هؤلاء لم يسلكوا سبيل العنف بملء إرادتهم؛ بل أجبروا على ذلك بعد أن تدنت القيمة الشرائية للعملة ووصلت إلى 170 في المئة إلى جانب أن سعر صرف الدولار زاد على 4500 ليرة لبنانية وهو ما أدى إلى زيادة الأسعار بشكل فاق كل توقع، وأسهم بدوره بحالة الانفجار والفوضى التي طالت المصارف ومؤسسات عدة ويخشى على لبنان من انفجار أشد، إن لم يتم تدارك الموقف بأسرع ما يمكن.
التدهور الاقتصادي الذي يشهده لبنان سببه أن الحكومات المتعاقبة بدل أن تجد مورداً تزيد فيه من واردات الدولة كانت تلجأ إلى الاستدانة حتى أرهقت كاهل البلاد بديون دولية فاقت التسعين مليار دولار، وما زاد الطين بلة أن تلك الحكومات عندما كانت تجد باب الاستدانة الدولي موصداً أمامها كانت تلجأ للاستدانة من البنوك المحلية التي أقرضتها بفوائد عالية زادت من تدني العملة وأدت إلى تدهور اقتصادي كانت نتيجته ما يشهده لبنان راهناً.
لبنان الذي صدّر إلى أمريكا اللاتينية رؤساء دول بإمكانه النهوض من الكبوة التي تعانيها البلاد؛ لكن ذلك يتطلب تكاتف النخب السياسية وارتقائها إلى مستوى الحدث عبر الاستماع بوعي لمطالب الشارع الذي زادت أزمة كورونا وضعه سوءاً لا سيما أن فئة غير قليلة من اللبنانيين تعتمد في مصدر عيشها على عملها اليومي كما أنه يجب إدراك تلك النخب أن الوقت يسبق الجميع وأن التراشق الإعلامي لا مكان له راهناً؛ لأن صبر الشارع بدأ ينفد ولو فقد هذا الشارع رشده فإنه سيغرق الجميع دون استثناء.
الأحد 3 أيار (مايو) 2020
جائحة لبنان الاقتصادية
الأحد 3 أيار (مايو) 2020
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
9 /
2184051
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين علي قباجة ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
8 من الزوار الآن
2184051 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13