لا نخاف في الجزائر من شيء قدر خوفنا من الانزلاق... لقد حبس الجزائريون أنفاسهم منذ يومين خوفا من أن تكون احتجاجات رجال الأمن هي مؤشر على بداية توجهنا نحو المجهول كما حدث لكثير من البلاد العربية التي بدأ الانزلاق فيها بشرارة منعزلة ثم تحول إلى نار مشتعلة في كل مكان... وخوفنا هذا في محله لأننا لا نملك بلدا آخر نذهب إليه كما البعض الذين يتمنونه.. خوفنا هذا في محله لأننا نُدرك أن الانزلاق لن يدفع ثمنه الأغنياء ولا أصحاب الممتلكات ولا حتى أصحاب القرار وإن تأثرت حساباتهم بعض التأثر، إنما سيدفع ثمنه ذلك المواطن الذي هو في انتظار سكن أو منصب عمل أو يحلم بنجاح أو زواج أو أمل ما قد يتحقق ولو بعد سنين من الانتظار...
لذلك خفنا جميعا من الانزلاق وحبسنا أنفاسنا...
خفنا من أن يكون المبشرين به قد حزموا الحقائب واستعدوا للسفر بعد أن شعروا بأن أسعار النفط قد بدأت تنهار..
خفنا من أن يكونوا قد هيأوا لأنفسهم أماكن آمنة وأرصدة ممتلئة وسيتركوننا بلا أمل في أن يتحقق حلمنا بأن نعيش بكرامة واطمئنان ببلدنا...
خفنا لأننا نخشى بحق على بلدنا وعلى كل مواطن فيه.. ولذلك حبسنا أنفاسنا في انتظار بروز إشارات صبح جديد بعيدا عن الفوضى والعنف والدموع.
خفنا وقلنا، إذا ما طالب أبناؤنا بالزي الأزرق بحقوقهم كما طالب من قبل أقرانهم في قطاعات أخرى فليكن لهم ذلك، وليس لأي منا أن يذكرهم بأنهم ما ترددوا يوما في منع آخرين من القيام بذلك، بل أن يجعل من كل هذا درسا ميدانيا آخر يدركوا من خلاله أن المعارضة والمطالبة ليست دوما على خطأ، إنما قد تكون أيضا على صواب كما هو حالهم اليوم. وأن البلاد لا يمكن أن تعيش بسلطة لا معارضة فيها وإلا تحولت إلى دكتاتورية، كما لا يمكنها أن تعيش بمعارضة بلا سلطة شرعية قائمة بها وإلا تحولت إلى الانزلاق المشؤوم بل وإلى الفوضى العارمة التي لا حدود لها.
لذلك كانت مشاعرنا معهم بأن يحققوا مطالبهم، إلا أن عقولنا كانت تحدثنا قلقا أن يتم جرهم باسم تلك المطالب إلى ما لا يحمد عقباه، لذلك خفنا مرة ثالثة وكان ومازال من حقنا أن نخاف على بلدنا، إلى حين نطمئن أننا قد عبرنا إلى بر الأمان وتحولنا إلى جمهورية، كما لا تُظلم بها الوحدات الجمهورية للأمن لا تَظلم السلطة بواسطتها أحدا.