هناك دول تقيس شهريا معنويات شعوبها من خلال بعض المؤشرات المتعارف عليها، كالقدرة الشرائية ودرجة الفقر والثقة في الحكومة والبطالة والبيئة والشعور بالأمن...الخ. وابتكرت بعض الهيئات غير الرسمية ما يعرف بمؤشر السعادة الخام الذي ينطلق هو الآخر من مؤشرات محددة من شأنها أن تسمح بالتعرف على الانطباع الذي يأخذه الفرد عن نفسه، ما إذا كان سعيدا أم لا... وأصبحت الشعوب والأمم حريصة كل الحرص على تحسس الحالة النفسية لمواطنيها باعتبارها أول ما ينبغي معرفته لرسم السياسات أو تعديلها أو العدول عنها.
فسياسات لا تُنتج إلا اليأس والقنوط ينبغي التخلي عنها فورا، وسياسات يتجلى تأثيرها سلبا على المواطنين أكثر مما يتجلى إيجابا ينبغي تحسينها وهكذا دواليك.
المشكلة عندنا أننا لا نعرف حقيقة حالنا النفسية وحقيقة معنوياتنا وما السبب في ذلك؟ هل ظاهرة القتل العمدي المتكرر ليست مؤشرا بارزا على حالتنا النفسية؟ أليس من واجبنا أن نتساءل: لِمَ أصبحت المرأة تقتل المرأة بوحشية، ويذبح الأخ أخاه يوم العيد ببرودة دم، وتقطع امرأة ابنتها أشلاء بلا خوف؟ أليس من حقنا أن نتساءل بعمق: لِمَ السياقة الجنونية، ولِمَ المعاملة العنيفة في كافة المستويات، بل حتى مع الأشياء والطبيعة؟ لِمَ أصبحنا نتعامل بعنف وبقسوة؟ أليس لذلك علاقة بحالتنا النفسية؟ أليس لذلك علاقة بتردي المؤشرات التي تتشكل منها حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية وقبلها جميعا السياسية؟
أليس من واجبنا اليوم أن ندعو إلى القيام بعمل أكاديمي جاد لمعرفة حقيقة حالتنا النفسية والعصبية ووضع اليد على الأسباب الرئيسة المتسببة في ذلك لمعالجتها قبل فوات الأوان؟
إننا لسنا أفضل من الشعوب التي تقيس شهرياً معنويات الأسر والمواطنين، وعلينا ألا نخاف من أن نكتشف أن هناك أسباباً خلف سلوكنا الحالي قد تصدمنا، بل ربما سياسات بعينها هي التي أوصلتنا إلى هذه الحال بل وأشخاص بعينهم هم الذين أوصلونا إلى هذه الحال، وعلينا من الآن أن نجهر بتشخيص الداء وأسبابه قبل أن يستفحل أكثر، وأن نعمل على تطوير صناعة الأمل ببلادنا، بدل صمتنا المريب على صناعة اليأس الرائجة.
إنه ليس عيباً أن نعرف أن هناك تدهوراً في المؤشرات صانعة الأمل لمعالجتها، إن تعلق الأمر بنوعية الحاكمين، أو بالسياسات المعتمَدة من قبلهم في جميع المجالات، إنما الخلل في أن نترك أنفسنا عرضة لاستفحال مرض من أخطر الأمراض التي تصيب الأمم، دون أن نصف العلاج الملائم لها ونشرع فيه، قبل أن يتحول بالفعل إلى مرض لا ينفع معهم أي علاج...