جرت العادة أن يُنعت بالسياسي من له القدرة على تطويع الصعاب لما فيه مصلحة بلده على جميع الصعد دون استثناء؛ لكن هذا الوصف لم يتمكن الرئيس الأمريكي من حيازته؛ جرّاء سياسات عدة انتهجها منذ توليه سدة الحكم في أكبر بلد عالمي، وبعد أن حاز قصب السبق على جميع منافسيه سابقاً، ها هو يتلقى صفعة كبرى في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، التي أظهرت بشكل جلي تراجع شعبيته، وانحدارها إلى ما هو دون المتوقع؛ وذلك يرجع بادئ ذي بدء إلى المستويات القيادية المترددة، التي يقدمها، والتي لم تلق قبولاً على المستويين الداخلي والدولي؛ حيث إنه حارب على جبهات عدة (داخلياً وخارجياً) دون أن يستعد استراتيجياً لذلك، فهو من جانب يخوض غمار حرب داخل أمريكا نفسها بدءاً من عدائه للمهاجرين، وتسخيفه للإعلام، ومحاربته لمتنفذين، وإلقاء جام غضبه على كل من يعارضه، وليس أخيراً إلغاء برنامج سلفه أوباما الصحي.
أما على الصعيد الدولي، فهو يتصارع مع أبرز حلفائه أوروبا، التي خالفت سياساته تجاهها سياسة أسلافه، الذين لطالما مارسوا المهادنة؛ حفاظاً على مصلحة أمريكا، هذا إلى جانب إعلانه صراحة العداء تجاه روسيا، مخالفاً السياسة الأمريكية العامة، التي كانت سابقاً تتبع معها سياسة المراوغة، ولم تسلم المنطقة كذلك من بعض التصريحات العدائية، التي وجهها لها ترامب بين الفينة والأخرى؛ ولعل اعترافه مؤخراً بأن لهجته كانت حادة تجاه خصومه كان وصفاً دقيقاً للعبارات التي أطلقها، والتي غابت الدبلوماسية عن معظمها.
لم تقف سياسات ترامب عن حد العبارات اللفظية؛ بل إنها تعدتها لما هو أبعد منها؛ حيث لجأ إلى «الحمائية» وهو ما كان سبباً في توجس كبرى الدول العالمية؛ فلقد هاجم حلف الأطلسي، وهدد بالانسحاب منه، كما خرج من «اتفاق باريس للمناخ»، ونادى بسياسة «أمريكا أولاً»، وعمل على هذا الأساس، وبدأ حربه التجارية مع الصين، وهاجمها مراراً وتكراراً، وهذه مجتمعة شكلت عناصر مهمة لتراجع ترامب عالمياً؛ ما أثر في حظوظه الداخلية. وكان لموقفه من الاستعداء التام للفلسطينيين لمصلحة «إسرائيل» الأثر المهم في إثارة حفيظة الكثير على مستوى النُخب السياسية الأمريكية، وحكومات العالم، التي رأت أن اصطفاف الولايات المتحدة ضد الشرعية الدولية كفيل بتدمير النظام العالمي، ومنح الغطاء لدول أخرى لتجاوز القرارات الأممية في قضايا عدة.
خسارة الجمهوريين في انتخابات مجلس النواب في الولايات المتحدة، ينذر بجو مُلَبَّد ينتظر الإدارة الأمريكية، وربما يكون مقدمة لسحب البساط من تحت ترامب، وقد يمتد ليكون ذريعة لخصومه؛ لتقييد سياساته، التي تلقى معارضة واسعة من الديمقراطيين، الذين رأوا أن حكمه أسهم في نشر الكراهية، وعمّق النبرة العنصرية في أمريكا والعالم، كما يرون فيه أنه معول هدم لقراراتهم، التي اتخذوها في فترة حكم أوباما؛ لذا فالرئيس الأمريكي سيواجه مقاومة شرسة لقراراته، التي في الغالب سيفشلها النواب الأمريكي. ورغم استحواذ حزبه على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، إلا أنه لن يتمكن في أن يكون حائط صدٍ أمام مجلس النواب في إنفاذ رؤاه المناقضة في غالبها لرؤى رئيس البلاد.
الجمعة 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018
ترامب وتراجع حظوظه
الجمعة 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
53 /
2189789
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين علي قباجة ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
10 من الزوار الآن
2189789 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 9