لا يشكل مضي عام، والدخول في عام جديد أي فارق لدى الفلسطيني؛ إذ إن السنوات السابقة تبشر باللاحقة، ومع تتابع الأيام والسنين، يتضاعف حجم المأساة التي يعانيها الشعب. واستقبل الفلسطينيون 2019، وهم يواجهون مستقبلاً قاتماً، لا تفاؤل فيه لأن تحل قضيتهم، وتسوى مظلمتهم، بل إن في انتظارهم الكثير من المؤامرات التي حيك
ت وما زالت تحاك لتحطيم أي حلم بدولة فلسطينية مأمولة، وبينما أضحت قضيتهم في ذيل الاهتمامات العالمية، بعد أن كانت تتصدر القضايا، فإن الوضع الداخلي الفلسطيني لا يبشر بخير؛ إذ إن الانقسام ازدادت فصوله، والتشاحنات بلغت أوجها.
والتقارير الإحصائية التي بُثت في نهاية العام المنصرم، حول الانتهاكات التي عانتها الأراضي المحتلة، تقطع الشك باليقين أن الاحتلال لن يألو جهداً في دهس الحقوق الفلسطينية تحت نير استيطانه وقتله وهدمه وتدنيسه كلَّ ما هو مقدس؛ إذ إنه أقر بناء ما يزيد على 10 آلاف وحدة استيطانية، وصادر أكثر من 3400 دونم في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وهدم 538 منشأة فلسطينية، وضخ مئات ملايين الدولارات لشق طرق استيطانية، وقتل مئات الفلسطينيين وأصاب الآلاف، وملأ سجونه بالمعتقلين، واستباح الضفة والقدس والأقصى، وقصف غزة.
ولا زالت هناك الكثير من المخططات في جعبة «إسرائيل» لتمريرها في العام الحالي بما يفوق العام الذي مضى، لتستغل حتى الرمق الأخير الدعم الأمريكي اللامحدود، وما تسمى «صفقة القرن» التصفوية، التي تعتزم واشنطن طرحها قريباً. إذاً فلا مبشرات قادمة، خاصة في ظل التخبط العربي والإسلامي، الذي ضعفت مواقفه كثيراً عن السابق؛ بسبب التشاحنات والصراعات الداخلية التي ألمت بهم؛ إذ إن ظهير فلسطين أضحى مكشوفاً، ولم يعد بإمكان الشعب الاستناد إليه حالياً، فالمواقف ضعيفة ولا ترقى إلى مستوى الإجرام الذي يحيق بالأرض المقدسة وأهلها. ويمكن لهذا الحال أن يتغير في حال حصل تكاتف وتلاحم عربي وإسلامي يصاغ من خلاله خطوات عملية وفاعلة لردع الاحتلال ووقف غيه، وتعود في ظله فلسطين هي الرقم الأول والقضية التي تسبق كل القضايا.
ومع دخول العام الجديد، فإن الوضع الداخلي تأزم، ووصل إلى مراحل يرثى لها؛ إذ زادت الخلافات حدة، وهددت «فتح» في مطلعه بوقف التحاور مع «حماس»، لأن الأخيرة اعتقلت العشرات من أنصارها، وسبق هذا الخلاف خلافات كثيرة في السنة المنصرمة، وكل جهود المصالحات التي قادتها مصر لم تقنع الطرفين أن فلسطين هي أعلى من الجميع، ومصلحتها هي أولى من أي تشظٍّ، خاصة وسط الهجمة الكبيرة التي تتعرض لها الأرض المحتلة.
ومع ضبابية الأفق، وسوداوية الطالع، فهل ينجح الفلسطينيون بتنحية خلافاتهم جانباً، وإفشال ما تسمى «صفقة القرن»، ووقف الزحف الاستيطاني، ومحاكمة مجرمي الحرب «الإسرائيليين» على الأقل، أم أن الوضع سيبقى يراوح مكانه، أي أن الاحتلال يتوسع ويزداد تخمة، والقيادات الفلسطينية تتقاتل، مدمرةً تماسك الشعب، ومبعدةً عنه أيّ تعاطف خارجي معه؟.