الأحد 23 أيار (مايو) 2021

ذكرى النكبة والعدوان على القطاع

الأحد 23 أيار (مايو) 2021 par علي بدوان

إن تراجيديا النكبة الفلسطينية، في الذكرى الـ73 لوقوعها المأساوي وتشريد نحو 65% من أبناء فلسطين، تَكتب الآن مسيرة الشعب الفلسطيني، بالصمود والمقاومة، وبأحرف من بطولة..

حلَّت قبل أيامٍ الذكرى الـ73 لنكبة الشعب العربي الفلسطيني، تلك النكبة التي كان من أبرز نتائجها قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب الفلسطيني، وتدمير الكيانية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، وتشتيته، وتحويل غالبيته إلى لاجئين في دول الشتات (دول الطوق) وعلى ما تبقى من أرض فلسطين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وذلك بعد أن استولت العصابات الصهيونية على نحو 78% من مساحة أرض فلسطين التاريخية بقوة البارود والنار والدعم الخارجي الهائل الذي وفرته لها الولايات المتحدة وفرنسا وسلطات الانتداب البريطاني التي سلمتها فلسطين على طبقٍ من ذهب. وقد استطاعت العصابات المسلحة الصهيونية من تدمير 514 قرية وبلدة في فلسطين تدميرًا كاملًا، من أصل 1300 قرية ومدينة وبلدة على امتداد أرض فلسطين التاريخية.
والآن، وبعد عقودٍ مديدة، ومريرة من الكفاح الوطني الفلسطيني الذي لم يتوقف لحظة واحدة، ولم يتوقف معه الصراع مع المشروع التوسعي الصهيوني، في هذا الوقت تعبِّر القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية مراحل صعبة في مسيرتها المليئة بالعثرات، لتجد نفسها أمام استحقاقاتٍ وتحدياتٍ تاريخية، وضعت المسيرة النضالية للشعب العربي الفلسطيني، في مجملها، أمام منعطف طرق، يتحدد مستقبلها وفقًا لتماسك الموقف الوطني الفلسطيني من عدمه.
لقد عملت إدارة الرئيس الأميركي السابق، والتي اصطبغت سياساتها بكل فجاجة وصلف وغرور، تجاه المسألة الوطنية الفلسطينية، على محاولة فرض الصفقة المسمومة المعنونة بــ”صفقة القرن” وقد مهدت لها المسرح السياسي في المنطقة منذ نهاية العام 2017 عندما جرى تطبيق أولى خطوات تلك الخطة اللعينة، بالاعتراف الأميركي بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة إليها. ومهدت لخطتها المسمومة “صفقة القرن” بمجموعة من التطبيقات والإجراءات على الأرض، وخصوصا تجفيف مصادر الدعم المالي الأميركي للموازنة العامة لوكالة الأونروا، والسعي لتفكيكها نظرًا لما تحمله من تعبيرٍ سياسي، وقانوني، مُشرّع دوليًّا، يخص قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة، وبالتالي نزع الصفة القانونية عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين، والمصادقة على مساعي دولة الاحتلال الإسرائيلي بشأن سلوكها الاستعماري الكولونيالي بشأن شرعية المستعمرات المقامة فوق أراضي الضفة الغربية، بما فيها البؤر المنتشرة والكتل الكبرى التي تطوق القدس وباقي المدن الفلسطينية، ومباركة الموقف “الإسرائيلي” بضم الجولان السوري المحتل والاعتراف به خلافًا لقرارات الشرعية الدولة وارادة المجتمع الدولي.
وتكرر المطلب “الإسرائيلي” لدفع الفلسطينيين للاعتراف بما يسمى “يهودية الدولة”، والتي يُراد إيقاع الفلسطينيين في شراكها، ودفعهم للتوقيع على وثيقة تاريخية تنسفُ رواية النكبة والاقتلاع واللجوء والتشريد وهي الرواية الحقيقية لصالح رواية مصطنعة تبرر قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني وتبرأ ساحة الصهيونية من فعلها الآثم عام النكبة ووقوع الكارثة الكبرى بحق الشعب الفلسطيني.
إن الاعتراف بمقولة “الدولة اليهودية” يعني القبول بالرواية “الإسرائيلية الصهيونية” وبكل الأساطير التي تقوم عليها، بأن كل أرض فلسطين لليهود، ولا حقوق للعرب والمسلمين والمسيحيين فيها، ويعني أيضا اعتبار كل التاريخ الإسلامي والمسيحي والعربي فيما يتعلق بفلسطين ومدينة القدس غير صحيح. وبالنتيجة القبول بتلفيقات الحركة الصهيونية، وحق “إسرائيل” المُطلق، وتصديق لكل أساطيرها، وبالتالي إلغاء تاريخنا الوطني والقومي والإسلامي.
ولا تقتصر خطورة هذا الاعتراف على تزييف الماضي وما يعنيه ذلك من إقرار الفلسطيني بأنه كان على خطأ منذ البداية، وإنما في كونه يفتح الطريق واسعًا لإسقاط حق اللاجئين في العودة وهم الذين يشكلون نحو أكثر من (65%) من أبناء الشعب الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948 بأن يعيش حرًّا فوق أرض وطنه التاريخي.
الطرف “الإسرائيلي” ينطلق في إصراره على مسألة ومقولة “يهودية الدولة” من موقع “قلق المستقبل” في دولة طافرة قامت قيامة غير طبيعية وعلى حساب الحقوق الوطنية والقومية للشعب العربي الفلسطيني الذي تعرض لعملية ترانسفير كاملة عام النكبة. كما أن تلك المقولة باتت في موقع “الإجماع الكامل” تقريبًا بين مختلف الكُتل الحزبية داخل دولة الاحتلال الصهيونية، حيث ترى تلك الأحزاب بعمومها بأن “الحرب السياسية التي تخوضها إسرائيل اليوم أهم لمستقبلها من حرب الاستقلال عام 1948” على حد تعبير رئيس الأركان الأسبق الجنرال شاؤول موفاز، مُعتبرًا في الوقت نفسه أن تلك المسألة تأتي في سياق “تأمين ركائز “دولة الاحتلال الصهيونية” التي تتعرض كما قال ولأول مرة منذ تأسيسها للمخاطر في مجتمع قام على العسكرة.
الآن، وبالترافق مع الذكرى الـ73 للنكبة، لن يموت الحق الفلسطيني بالتقادم، فأكثر من نصف الشعب الفلسطيني يتواجد على أرض وطنه التاريخي، والنصف الآخر في دول الطوق المحيطة بفلسطين، وقد تجسَّدت من جديد في صمود مدينة القدس ومواطنيها خلال شهر رمضان المبارك، وحدة الأرض والشعب والكفاح الفلسطيني، الذي ترافق مع الصمود الاستثنائي وممارسة كل أشكال العمل الوطني المُمكنة على امتداد أرض فلسطين التاريخية، حيث تعانقت غزة العزة وقطاعها مع الضفة الغربية وعموم القدس، والداخل المحتل عام 1948 في مدن اللد وأم الفحم وحيفا…إلخ والشتات الفلسطيني، وخصوصا منه الشتات المحيط بفلسطين في دول الطوق (سوريا + لبنان + الأردن).
إن الاستخدام المفرط للقوة، وجحيم النيران التي أطلقت من الجو من الطائرات المقاتلة “الإسرائيلية” على قطاع غزة وعلى عموم سكانه من المواطنين وتدمير الأبراج السكنية وسقوط نحو 250 شهيدًا وأعداد مضاعفة من الجرحى والمصابين، من بينهم أكثر من 50 طفلًا، ومن بينهم نحو 15 تلميذًا من طلبة مدارس الوكالة استشهدوا، وشرد أكثر من 47,000 شخص إما فقدوا منازلهم أو سبل الوصول إلى الماء أو الكهرباء أو أجبروا على الفرار لحماية أنفسهم وعائلاتهم حسب بيان صدر عن وكالة الأونروا يوم 18/5/2021. وأضاف البيان أن “معظم العائلات وجد ملاذًا في مدارس الأونروا، إلا أن ذلك أصبح أكثر صعوبة هذه المرة بسبب انتشار “كوفيد-19” والصعوبات التي تواجه المسؤولين والمساعدات في سبل الوصول إلى غزة عندما تكون الاحتياجات أكبر”.
إن كل ذلك زاد من منسوب المقاومة التي تصدَّت للعدوان على يد القوى الرئيسية (سرايا القدس، كتائب الأقصى، كتائب القسام، كتائب أبو علي مصطفى…) حين أمطرت مواقع ومستعمرات الاحتلال بالصواريخ، مترافقة مع الفعل الكفاحي الشعبي، وفي الاشتباك معه من النقطة صفر، في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين المسلحين على امتداد القدس والضفة الغربية.
إن تراجيديا النكبة الفلسطينية، في الذكرى الـ73 لوقوعها المأساوي وتشريد نحو 65% من أبناء فلسطين، تَكتب الآن مسيرة الشعب الفلسطيني، بالصمود والمقاومة، وبأحرف من بطولة، بالرغم من الضحايا، والآلام، واستهداف الأبراج السكنية والمواقع المدنية في القطاع، وإطلاق الرصاص الحي على المقاومين العُزَّل من السلاح في الضفة الغربية والقدس، من قبل جيش الاحتلال. فالنكبة الآن التي نعيش ذكراها الأليمة الـ73، يحوّلها الشعب العربي الفلسطيني إلى مناسبة لشحذ الهمم، وإلى عهدٍ، ووعدٍ، في متابعة الطريق من أجل دحر الاحتلال، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرض وطنهم التاريخي.
أخيرًا، إن ذكرى النكبة، والصمود في مواجهة الاحتلال من القدس إلى الضفة الغربية إلى قطاع غزة، إلى الداخل المحتل عام 1948 وصولًا للشتات، تقتضي من الجميع في الساحة الفلسطينية، التوجُّه لمعالجة الانقسام والخدوش في البيت الفلسطيني، والإصرار على بذل الجهود على كل المستويات لتوفير مناخ الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية التي تم تأجيلها لضمان مشاركة القدس ومواطنيها، وتمتين الجبهة الوطنية الفلسطينية الداخلية، لمواجهة استحقاقات المرحلة، والصمود في الموقف الوطني، انطلاقًا من الخطاب الجامع والمسؤول.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2183362

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2183362 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40