في الأثر أن حب الأوطان من الإيمان.. ولعل هذا القول أقرب إلى التفصيل الواقعي. فهو يتحرك بمعطيات وسلوك مسؤول تجاه الوطن بما فيه من ناس مترابطين بالثقافة والمصاهرة والمصلحة والجيرة والآمال المشتركة والهموم الواحدة.. وفي الأثر أن من لا وطن له لا دين له بمعنى أن من لا وطن له لن يستطيع تمثل دينه كاملا. فكثير من أحكام الدين لا تتم إلا في الأوطان.. والوطن في عرف الناس كالبيت والعرض وكل مقدس غير قابل للقسمة والاختراق.
ومن هنا كانت وحدة الأوطان عملية كفاحية مستمرة لأن السفينة التي تقل الشعب وتسير به نحو أهدافه المقدسة، وكل شخص له حق في هذه السفينة، وهو شريك له ما لكل شخص من حقوق وعليه واجبات كما على كل الآخرين.. ولكن في الوقت نفسه لا يمتلك أحد أو فئة أو مجموعة أو أصحاب رأي أو مذهب أو وضعية أن يستبدوا بأمر السفينة من دون رضى من أهل السفينة الشعب، ولا تعطي المواطنة أي أحد من الركاب في السفينة الحق أن يخرقها أو أن يعبث بها لأنهم حينذاك خرجوا عن السياق العام الذي بموجبه أصبحوا أعضاء في عقد اجتماعي اسمه المواطنة.
وحدة الأوطان في بلادنا هي مقدس تحرق يد كل من اقتربت منها بسوء.. ووحدة الأوطان في بلادنا هي سياج المجتمع وهي تركن إلى قيم واضحة وقوانين إنسانية بالغة في العمق والدقة.. وكل من لا يحس بقيمة وحدة الأوطان فليتحسس ضميره وسيجد أن به دخلا من اعوجاج والتواء.. وليتحسس وجدانه كل من هان عليه شق الصف وبعثرة المجموع فإنه واجد فيه بالتأكيد مرضا قد تلبسه..
في مواجهة المخططات الخارجية يجب التأكيد أن الحصون لا تسقط من الخارج.. إنما من الداخل عندما يهون على البعض الانتماء والولاء ويرتكسون إلى ما تدفع إليه نفسياتهم المريضة الأنانية ومصالحهم الحقيرة المغمسة بالنذالة والفساد.. ونحن أمة تعرف جيدا كيف انهارت حصوننا قديما وحديثا نعرف كيف سقطت قرطبة وغرناطة والأندلس وكيف سقطت بغداد وليبيا وسوريا وسواها..
وحدة الأوطان هي المعيار للإيمان بقيمة الشعب ورسالته ومستقبله.. وكل من يدرك وجوده الإنساني مهما اختلفت وجهة نظره في تسيير الأمور ينبغي أن لا يغادره اليقين أن لا قيمة لأي شيء من اجتهاد وأفكار إن هو فقد وطنه.
لا يعرف قيمة الوطن إلا من حرمه قسرا وعنفا.. ولا يعرف قيمة الوطن إلا من ناله مغالبة وانتصارا.. لذا فعلى كل المنتصرين المحافظة على انتصارهم بوحدة أوطانهم وعلى كل المحرومين أن يواصلوا النضال من أجل وحدة أوطانهم..
تولانا الله برحمته.