بوش تحويلي (Transformative)، أمّا أوباما فمحافظ واقعي.
عندما وصل جورج بوش الابن، الرئيس الأميركي السابق، المرحلة الحالية التي وصلها الرئيس الحالي باراك أوباما (نحو السنة السادسة من ولايتيهما)، كان مذهبه في السياسة الخارجية قد أصبح واضحاً تماماً (مذهب المحافظين الجدد، حتى لو لم يكن هو منهم)، بكل ما يعنيه هذا من أفكار تتعلق بنشر قيم الحرية الأميركية (أو ما يحلو لمناهضي العولمة تسميته بـ“الأمركة”)، والقيام بتغيير الأنظمة المعادية، وفرض “الإصلاح” على الأنظمة الحليفة؛ أي القيام بعملية هندسة اجتماعية ودولية كاملة. لكنه بدأ يتراجع عن هذا المبدأ مع السنة السادسة تقريباً، ولم تعد الديمقراطية والإصلاح يعنيانه. بينما في حالة باراك أوباما، ما يزال المحللون والباحثون يسألون: هل له مذهب؟ لكن المفارقة أنّ هناك تصورا متزايدا بأنّه رئيس “ناجح” في سياسته الخارجية.
يُعرَف أوباما بما لم يفعل، أو تراجع عنه، أكثر مما يعرف بما فعل. لكن في العلاقات الدولية، فإن عدم الفعل هو فعل بحد ذاته أحياناً، بل وقد يكون هو الفعل الصحيح.
أوباما، ببساطة، يتبنى فكراً ليبراليا (بالتعريف الأميركي لليبرالية الذي يجعلها أقرب إلى الفكر اليساري في الشأن الداخلي؛ فيهتم برفض التمييز، وبالرعاية الاجتماعية للفقراء والمسنين)، لكنه لا يكترث كثيراً بما يحدث في العالم؛ من حيث أي أيديولوجيات أو أنظمة حكم يجري تبنيها. وهو بهذا واقعي بامتياز. إلا أنه، أيضاً، يبدو ممتنعاً حتى عن تدخلٍ في قضايا يعتقد كثيرون أنّها تمس مصالح الولايات المتحدة.
يتساءل فريد كابلان، في مقال بعنوان “الواقعي” (The Realist)، في مجلة “بوليتكو”: هل حقاً يخسر أوباما من عدم التدخل؟ هل ستكون أوكرانيا خسارة استراتيجية للولايات المتحدة، مثلاً؛ هل خسرت حليفاً محتملاً؟ يبدو أنّ ما يحدث حقّاً هو أن روسيا وفلاديمير بوتين دخلا صراعاً يستنزفهما (وطبعاً يستنزف الأوكرانيين). ونضيف لسؤال كابلان: هل خسر أوباما من عدم التدخل في سورية بقوة كبيرة؟ لقد كان واضحاً أنّه لن يكرر خطأ إسقاط نظام بشار الأسد (كما حدث مع إسقاط نظام صدام حسين). ولو سقط نظام الأسد وجاء “داعش” و“القاعدة” و“النصرة”، أو أي اسم آخر، لاتُهم بأنّه السبب في نشوء هذه الظاهرة. وهو الآن عمليّاً يجد خصمين له يتقاتلان (النظام و“القاعدة” بأسمائها وفروعها)، ولكنه اضطر للتدخل الآن مع تحول “داعش” إلى قوة تهدد “ستاتيكو” المنطقة. ولعل تركيز الإدارة الأميركية الآن على وجود مجموعة في سورية تسمى “خراسان”؛ متخصصة في التخطيط للهجمات على الغرب (هناك تقارير أنّ الهجمات الأميركية تتركز فعلا على هذه المجموعة)، يخدم في جزء منه التفرقة بين سياسة بوش وأوباما. فالأول، تبنى فكرة الحرب الوقائية التي تستبق أي خطر متوسط أو بعيد المدى. أمّا الثاني، فهو لا يمكن أن يتخلى عن مبدأ الحرب الاستباقية التي تتحدث عن خطر وشيك يلوح في الأفق، وبهذا يبرر تدخله الراهن. وبالتالي، يجب أن لا يتوقع أحد أنّ منع الجرائم الإنسانية سيكون هدف العمليات الأميركية، بقدر ما هي حسابات التحالفات السياسية، والتكتيكات العسكرية.
يعتقد كثيرون أنّ بوش الابن بالغ في تقدير الأخطار، وقد ضلله بعض مساعديه، من أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، الذين أرادوا القيام بحروب في العراق. بينما يقلل أوباما من الأخطار، مُقتنعاً أنّ الولايات المتحدة قوية محصنة. وستحكم الأحداث على مدى صوابية تقييم أوباما لدرجة الأخطار.
أراد بوش أن يغير العالم، وأن يعزز موقع الولايات المتحدة في الصدارة. أمّا أوباما، فغير مهتم سوى بالحفاظ على صدارة الولايات المتحدة في العالم؛ يحاول تعزيز بعض القوى والأفكار التي تخدم وجهة النظر الأميركية، لكنه لن يخوض حروبا لأجل فكرة أو “أمركة”، كما يرفض أن يدخل حربا وحيدا، تدفع فيها بلاده ثمنا بشريّا وعسكريا وماليا. هو يريد حلفاء، ويريد أن يخوض حروبا من دون بشر؛ من غرفة القيادة حيث طائرات من دون طيار، وطيارون في الجو، وصواريخ، وحيث غير الأميركيين يشاركون في الثمن المادي، ويدفعون الثمن البشري. هو رئيس يميل للمحافظة على المكاسب أكثر من زيادتها (كما فعل سلفه بوش مدفوعاً ببعض مساعديه)، وهو رئيس لا يعتقد أنّ مهمته تغيير العالم.
الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014
بوش الراديكالي وأوباما الواقعي؟
الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014
par
د.احمد جميل عزم
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
70 /
2188402
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف احمد جميل عزم ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
17 من الزوار الآن
2188402 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 25