تقدمت الحركة الصهيونية خطوة جديدة إلى الأمام في معركتها الوجودية على أرض فلسطين، في ظل ظروف إقليمية ودولية مساعدة.. فأقدمت قوات الجيش والأمن الإسرائيلي على إغلاق أبواب المسجد الأقصى أمام المصلين، ساعات طويلة، قبل أن تسمح بفتح الأبواب لمن هم أكبر من خمسين عاما.. هنا دق ناقوس الخطر بخصوص المسجد الأقصى، حيث يتم من خلال مناورات تطبيع الرأي العام الإسلامي مع ما سيجري فيه من تقسيم مكاني وزماني.. فبعد أن بدأ الاستيطان في القدس وإنشاء مستوطنات في محيط بيت المقدس وتم توسيع ما يسمى بالقدس الكبرى وإقامة أحزمة استيطانية لفرض واقع ديمغرافي يغير معالم المدينة المباركة..
لن يكون سهلا على صانع القرار في المؤسسة الصهيونية أن يتخذ مثل هذه الخطوة لو أنه شعر بأن موقفا عربيا جادا سيقف في وجه إسرائيل.. فللأسف الشديد، هناك دول عربية لها علاقات متينة ومتميزة مع إسرائيل لم تقدم إحداها على استدعاء سفيرها، ولا نقول تجييش جيشها لتحرير الأقصى.. فلا تركيا ولا مصر ولا الأردن ولا الإمارات وقطر وعمان والبحرين والمغرب وتونس وسواها من الدول ذات العلاقات المتينة مع إسرائيل.. وسواها من الدول، لم نسمع منها أي موقف بحجم الاستتفزاز الإسرائيلي. فبالأمس القريب عندما أعلنت الحكومة السعودية عن عزمها على إعدام المعارض السعودي الشيعي هبّ حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن وإيران وشيعة البحرين ومنظمات عراقية شيعية.. هبّت جميعها إلى التنديد بالقرار ونيتها على اتخاذ خطوات رادعة وعنيفة ضد مصالح المملكة السعودية في كل مكان.. إلا أننا لم نسمع من هذه الحركات الثورية أي موقف جاد وعملي تجاه إسرائيل.. ولقد مضى يوم الجمعة الذي تبع القرار الإسرائيلي بسلام في كل عواصم العرب، حيث الأحزاب والنخب السياسية والمثقفون والأدباء والفنانون وحيث المكون الاجتماعي لأمة تؤمن بأن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين..
لعل الحدث مفيد من جهة أنه يستفز الأمة ويسقط أولئك أصحاب المشاريع الوهمية الجزئية.. ويلقم أصحاب الشعارات الطائفية والقومية حجرا.. فهاهو العدو محل الإجماع في عداوة الأمة يعلن أن القدس كلها عبرية وأنه وحده من يقرر مصيرها..
من هنا أصبح لزاما التنبيه أن المطلوب مواقف وأفعال كبيرة بحجم الموضوع.. مطلوب مواقف سياسية ومادية الأمر يدعو إلى احتجاجات بالغة ودوي كبير يوقف العدوان الصهيوني.. الأمر يحتاج إلى سياسة حازمة تقوم بها الدول العربية في المحافل الدولية لتثبيت الأمر بعدم شرعية ما تقوم به إسرائيل.. ومطلوب تجريم إسرائيل والتحرك بغيرة نوعا ما وإلا فإن الكل مدان على تقصيره.
نحن ندرك أن معتز حجازي هو صاحب الفعل الصواب وأنه هو من اختصر المسافة وأن هذه السبيل هي التي ستوقف المد الاستيطاني. وندرك أنه هو، لا سواه، من يمتلك قيمة الرد.. ولكن رغم ذلك، فإن المطالبة بمواقف عربية وإسلامية دون ذلك تظل مطالبة مشروعة قبل فوات الأوان.. تولانا الله برحمته.