بمجرد أن بدا لإسرائيل أن إيران تعد العدة لصنع قنبلة ذرية، قامت قيامتها لأن نجاح إيران في ذلك يعني تهديد الوجود الإسرائيلي برمته كما تدعي، ومن ثم يجب منعها بالتي هي أحسن، أو بالتي هي أسوأ.
ومن أجل ذلك فزعت إسرائيل - بقيادة بنيامين نتنياهو- العالم عليها، وجعلته موضوعاً أو أزمة دولية لدرجة ساقت الدول العظمى (زائداً ألمانيا) للانغماس فيها، وفرض عقوبات مالية واقتصادية شديدة على إيران لمنعها من ذلك. ومع هذا، وعلى الرغم منه، ظل نتنياهو يتظاهر وكأنه على وشك القيام بضربة للمنشآت النووية الإيرانية إن لم تقم أميركا، معه أو نيابة عنه، بها. ترى، هل نتنياهو صادق في قلقه الوجودي الإسرائيلي من قنبلة إيران الذرية الفارسية، أم أنه يمارس لعبة سياسية لغاية في نفسه؟
نعم، إن الإستراتيجية الإسرائيلية الذرية تقوم على الانفراد بامتلاك السلاح الذري أو سلاح الدمار الشامل. وهي لذلك دمرت المنشآت الذرية العراقية والسورية، ولكنها تتردد في ضرب المنشآت الذرية الإيرانية. لماذا؟ لأن إسرائيل تخشى الفشل في الهجوم بسبب حصانة المنشآت الذرية الإيرانية من جهة، ولخشيتها من رد إيراني عنيف من جهة أخرى، بالأصالة أو بالوكالة، ولأن أميركا لا تؤيد القيام بذلك من جهة ثالثة، إذ ترى أنه يمكن منع إيران من صنع القنبلة بالمفاوضات والمواثيق والشروط القاطعة المانعة.
غير أن نتنياهو يعرف أن امتلاك إيران للسلاح الذري لا يهدد وجود إسرائيل؛ بل بالعكس. إنه يضمن وجودها بالتوازن أو الردع المتبادل، وإذا كان لا بد من حرب بينهما فلتكن بالوكالة.
إن امتلاك إيران للسلاح الذري يهدد احتكار إسرائيل له، وقد يدفع بعض دول المنطقة، مثل تركيا والسعودية ومصر، إلى امتلاكه. وعندئذ ستصبح الدعوة إلى نزعه من المنطقة معقولة ومقبولة وممكنة. وكما قال المفكر الأميركي الشهير سام كين، في كتابه العظيم “وجوه العدو: 1991-1998” (Faces of the Enemy:1991-1998): إن أفضل طريقة لنزع أسلحة الدمار الشامل، هو امتلاك الجميع لها". فبذلك تفقد إسرائيل ميزتها الاستراتيجية، وهو (فقدان هذه الميزة) التهديد الأكبر لوجودها.
لكن، لماذا لا يكل نتنياهو ولا يمل من العزف على القنبلة الإيرانية، ويملأ العالم ضجيجاً وصراخاً حولها؟ إنه يفعل ذلك لصرف نظر العالم تماماً عن قضية فلسطين، وتنحيتها؛ ليس من بؤرة الشعور الذي ظلت تحتله، بل إلى اللاشعور والنسيان، بإحلال القنبلة الإيرانية مكانها (لم يذكر الصراع مع الشعب الفلسطيني في خطابه الأخير في الكونغرس)، وبحيث تستمر إسرائيل في الوقت نفسه بالتهويد التام للقدس، ومواصلة الاستيطان في طول الضفة الغربية وعرضها من دون أن يراها أو يحتج عليها أحد، كما محاصرة غزة حتى الموت، بحيث تجبر وتذل حركة حماس -وبخاصة بعد اعتبار مصر رسميا لها جماعة إرهابية- على الاعتراف ليس بوجود اسرائيل، بل وحقها في الوجود.
وباللعبة يبتز نتنياهو أيضا أميركا مالياً وعسكرياً لدعم هذه السياسة، ويجبرها على الكف عن المطالبة بحل الدولتين الهزيل. كما يهدف (بالنق) إلى تحويل القنبلة إلى خطر إيراني مشترك على إسرائيل والدول العربية، بخاصة دول الخليج، بحيث ينشأ حلف اسرائيلي-عربي ضمني أو صريح لمواجهته. وبذلك، تقدم إيران لإسرائيل بالقنبلة أعظم خدمة في تاريخ الصراع، وهو هذا الحلف الذي أراهن على قيامه إذا استمرت ايران في سياسة الهيمنة على البلدان العربية. تتظاهر إسرائيل بهذه اللعبة والعزف عليها؛ بأن إيران هي العدو اللدود الأول لها وللعرب، متناسية “إيران غيت” والعلاقات المالية والاقتصادية القائمة بينهما، واشتراكها (مع إيران وتركيا) في الأطماع والتوسع في الوطن العربي. وتتظاهر الدولتان بالعداء الشديد لها والعرب غائبون أو نائمون.
عندما سئل شمعون بيرس مرة: ألن تنسوا الهلوكوست؟ أجاب: لم ننس السبي البابلي، فكيف ننسى الهولوكوست؟ وإذا كان الأمر كذلك -وهو كذلك- فهل تنسى إسرائيل أن الفرس هم الذين أعادوا اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين؟ إنهم يحتفلون به في كل عام (سفر إشتير).
الاثنين 9 آذار (مارس) 2015
مغزى لعبة إسرائيل الإيرانية الذرية
الاثنين 9 آذار (مارس) 2015
par
حسني عايش
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
16 /
2182642
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين حسني عايش ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
15 من الزوار الآن
2182642 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 16