المفاوضات الإيرانية مع دول (5+1)، والجارية في فندق بو-ريفاج السويسري العريق، الذي نزل وكتب فيه يوماً الروائي الفرنسي فيكتور هيوغو، صاحب رواية “البؤساء”، وحيث جرت مفاوضات النظام العالمي الجديد ما بعد الحرب العالمية الأولى؛ تبدو من دائرتين: الأولى، تحدث على مائدة التفاوض داخل الغرف، حيث الحديث عن الأرقام وتفاصيل الاتفاق. أما الثانية، ففي الخارج، حيث يدور الحديث عن قضايا السيادة والحرية والحقوق من قبل إيران، وعن الشرق الأوسط والأمن من قبل الولايات المتحدة. وفي الحالتين، فإنّ ما بين السطور كلمات عن تمدد النفوذ والقوة في الشرق الأوسط.
تخشى الدول العربية المحيطة من إيران نووية، لكنها تخشى بالقدر نفسه اتفاقا حول الشأن النووي. فطهران لا تخفي، بل وتبالغ في ادعاء نفوذها مع كل حراك في أي دولة. فعدا عن العراق ولبنان واليمن، ادّعى مسؤولون إيرانيون أنّه حتى ما حدث في تونس كان جزءا من “صحوة” مرتبطة بهم. وبالتالي، يخشى العرب أن يكون اتفاق مع طهران مقدمة لتمددها وإطلاق يدها في المنطقة. وترفض إسرائيل أي اتفاق مع إيران بذريعة أنّه قد لا يكون كافياً لمنع الإيرانيين من امتلاك القنبلة النووية. وإذا كان الإسرائيليون بقيادة نتنياهو يواظبون على إثارة ملف قنبلة طهران النووية المزعومة، بهدف اصطناع خطر وجودي يهددهم، وللهرب من استحقاقات السلام مع الفلسطينيين، فإنّ المنطق الأميركي أنّ اتفاقا مع الإيرانيين ضروري جداً لأمن المنطقة، وأنّ إيران بقنبلة نووية تشكل خطرا أكبر في محيطها العربي والشرق أوسطي.
بهذا المعنى، يخشى العرب نفوذ إيران غير النووي، بقدر ما يخشون تسلحها النووي. ويخشى الإسرائيليون اختفاء الخوف من إيران، ويحركون أصدقاءهم في الكونغرس الأميركي ضد الاتفاق.
في المقابل، يخشى مسؤولون إيرانيون التوصل لاتفاق لا يبدو انتصاراً لهم، لأنّ جزءا أساسيا من شرعية النظام في طهران تقوم على زعم التصدي للأميركيين، فإذا وقعت اتفاقيات ولمعت إضاءات التصوير تلتقط المصافحات والابتسامات، فإنّ هذا يشكل معضلة شرعية سياسية في طهران، في وقت يريد مسؤولون إيرانيون آخرون الخروج من حالة الحصار والانفتاح اقتصاديا ودبلوماسيا، لتخليص بلادهم من الثمن الذي يدفعونه ثمن مشروع نووي، يقول أكثر القادة الإيرانيين تشددا إنّه لا يهدف إلى الوصول للسلاح النووي. فحتى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يعلن أنّ السلاح النووي محرم شرعاً.
يبدو أنّ الأميركيين مقتنعون أن نقل جزء من اليورانيوم الإيراني المخصب إلى روسيا، مع بقاء ملكيته إيرانية، هو حل مقبول، فضلا عن تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم المتبقي ليكون بعيدا عن المطلوب لأجل قنبلة نووية. لكن يبدو أنّ الإيرانيين مترددون في قبول نقل اليورانيوم، خشية اهتزاز الصورة العامة أمام العالم والجماهير.
على الأغلب، فإنّ ما سيحدد مصير المفاوضات هو التفاوض بين المسؤولين الإيرانيين أنفسهم. والواقع أنّ عملية “عاصفة الحزم” في اليمن ربما تتضمن طمأنة للعرب والسعودية بأنّ التفاوض مع طهران لا يتضمن إطلاق يدها سياسياً في المنطقة. لكن هذا بحد ذاته قد يؤدي إلى تردد مسؤولين إيرانيين في التوصل لاتفاق.
بغض النظر عن نجاح المفاوضات الآن أو تمديدها، لا يبدو أنّ إيران في وضع يؤهلها للمزيد من المماطلة في اتفاق، إلا إذا قررت قبول المزيد من الضعف.
لقد بدت إيران أكثر المستفيدين من الغزو الأميركي في العراق، وبدت كمن يتمدد في لبنان واليمن. وإذا انتهى مشروعها في اليمن (مع أنّه لا يمكن اختزال قضية الحوثيين بالشق الإيراني فيها. ورغم مبالغات طهران والدول العربية على السواء بشأن الدور الإيراني في اليمن والبحرين)، ثم إذا حوصر حزب الله في سورية ولبنان، فلا يبقى لإيران سوى زعم النفوذ في العراق، فآنذاك ستعاني إيران المزيد من الضعف، خصوصاً إذا تزايد القبول الدولي لتقوية الحصار على إيران مع فشل المفاوضات. في الأثناء، ستستفيد إسرائيل كثيراً من هذا الفشل باستمرار خطاب التخويف. لذا، يبدو التوصل لاتفاق موضوع وقت وتفاصيل؛ نووية وغير نووية.
الخميس 2 نيسان (أبريل) 2015
ما بين سطور المفاوضات الإيرانية-الدولية
الخميس 2 نيسان (أبريل) 2015
par
د.احمد جميل عزم
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
17 /
2182341
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف احمد جميل عزم ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2182341 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 25