إلى ما قبل إجراء الانتخابات “الإسرائيلية” يوم السابع عشر من مارس/آذار الماضي بأيام قليلة، كانت استطلاعات الرأي “الإسرائيلي” قد أشارت، إلى تقدم الاتحاد الصهيوني بزعامة إسحق هرتزوغ على حزب الليكود بزعامة
بنيامين نتنياهو، ولكن النتائج جاءت معاكسة لهذه التوقعات، إذ فاز الليكود بالعدد الأكبر من مقاعد الكنيست، حيث حصل على 30 مقعداً من إجمالي عدد المقاعد البالغ 120 مقعداً، متقدماً على أقرب منافسيه الاتحاد الصهيوني بستة مقاعد، فيما حلت القائمة العربية ثالثاً ب 13 مقعداً، وحزب “هناك مستقبل” 11 مقعداً (حزب أسسه الإعلامي الصهيوني يائير لبيد في عام 2012 ليكون ممثلاً للطبقة الوسطى)، و“حزب كولانو” 10 مقاعد (حزب أسسه موشي كحلون العضو البارز في حزب الليكود بعد انشقاقه عن الليكود بسبب خلافات حول بعض ملفات الأجندة الاقتصادية والاجتماعية لليكود)، و“البيت اليهودي” 8 مقاعد، و“حركة شاس” 7 مقاعد، و“حزب يهودات هتوراة” 6 مقاعد، و“إسرائيل بيتنا” 6 مقاعد، و“حزب ميرتس” 5 مقاعد .
وأدت هذه النتائج الى فوز نتنياهو بولاية ثالثة كرئيس للوزراء بشكل متتال، والرابعة له، من حيث توليه السلطة منذ العام ،2009 إضافة إلى ولايته الأولى بين عامي 1996 و1999 . فتنفس نتنياهو الصعداء وعاد إلى زهوه وخيلائه وهو يتبجح باحتفاظ أحزاب اليمين الفاشي في “إسرائيل” بالسلطة .
بيد أن الصحافة الغربية الموالية ل“إسرائيل”، لم ترَ في ذلك انتصاراً بقدر ما رأت فيه انقساماً مجتمعياً خطراً . ففي صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية (21 مارس/آذار 2015) ينقل جون ريد من تل أبيب عن “إسرائيليين” التقاهم بعد إعلان نتائج الانتخابات، أن مجتمعهم “الإسرائيلي” بدلاً من اتجاهه نحو الانصهار والاندماج، ها هو يظهر على حقيقته باعتباره “مجتمعاً قبائلياً” (بالمعنى السياسي والاجتماعي والثقافي) تمزقه الصراعات المريرة التي يصعب التنبؤ بمآلاتها .
فلقد ظهر الانقسام واضحاً في المجتمع “الإسرائيلي”، بحسب الصحيفة، بين أثرياء الأشكناز ذوي الأصول الأوروبية الشرقية الميّالين بغالبيتهم للاتجاهات العلمانية والذين يدعمون ائتلاف يسار الوسط (بالمقاييس “الإسرائيلية”)، وبين مجاميع السفرديم الأكثر تشدداً دينياً والأدنى مرتبةً، وهم أساساً من ذوي الأصول الشرقية، والشرق أوسطية تخصيصاً، ويدعمون أحزاب اليمين الفاشي .
آنشل بفيفر كتب في ال“أوبزيرفر” البريطانية (22 مارس/آذار 2015) بأن ما أسماه الكاتب ب“التكتيك التدميري” الذي اعتمده نتنياهو، متمثلاً في بث الخوف والرعب في قلوب “الإسرائيليين” من فلسطينيي الأراضي المحتلة بالتحذير من مغبة السماح لهم بإنشاء دولتهم المستقلة، ومن العرب الفلسطينيين داخل “فلسطين 48”، ومن النووي الإيراني، وإطلاق العنان للمشاعر العنصرية وإن نجح (ذلكم التكتيك) في تغيير اتجاهات التصويت لكتلة انتخابية قوامها 250 ألف ناخب لم يكونوا قد حسموا موقفهم حتى الأيام الستة المتبقية على موعد إجراء الانتخابات، لصالحه، إلا أنه كان كافياً لجعل “إسرائيل” منقسمة كما لم تكن من قبل .
وأجرى جوزيف فيدرمان رئيس مكتب “وكالة أسيوشيتد برس” الأمريكية للأنباء في القدس المحتلة ودان بيري مسؤول قسم الشرق الأوسط في الوكالة، تحقيقا يوم 24 مارس/آذار 2015 ذكرا فيه “أنه بعد حملة اتصفت بالكراهية والتهجمات الشخصية المقيتة ضد بعضهم بعضاً، ومنها على وجه الخصوص، الاتهامات التي وجهت لنتنياهو خلال الحملة الانتخابية، بتأجيج الفتنة العنصرية في المجتمع ضد مليوني عربي، فإن محاولاته للتنصل من هذه المواقف بعد فوزه في الانتخابات، لا توفر بصيص أمل في إعادة إصلاح ما انكسر وانقسم في المجتمع، وتشكيل حكومة ائتلافية بين أقطاب الحرب الكلامية القاسية” . وذلك برغم نزعة التمني التي حكمت سياق مقال الكاتبين، بتوصل حزبي الليكود والاتحاد الصهيوني إلى توافق على تشكيل حكومة مشتركة تنقذ مجتمع “إسرائيل” من حالة الانقسام الحادة ومن مأزق علاقاتها الدولية الناجمة عن سياسة نتنياهو العنصرية الفاقعة .
أما جودي رودورين فكتب في “نيويورك تايمز” “من الواضح أن ما بدت للقاصي والداني تكتيكات انقسامية وعنصرية في حملة الانتخابات”الإسرائيلية“، سوف تحول دون تشكيل حكومة توحد”إسرائيل“المنقسمة”، مع أن هذا المقال أيضاً مخطوط بمشاعر التودد الذليل والخنوع ل“إسرائيل” ول“لإسرائيليين” ذوي السطوة داخل دهاليز الدولة الأمريكية العميقة .
ونشرت شبكة “سي .بي .إن” التلفزيونية الأمريكية ذات التوجهات الدينية المسيحية الموالية ل“إسرائيل”، تحقيقاً في 16 مارس/آذار 2015 أعده جون واج وكريس ميتشل من مكتبها في الشرق الأوسط، نقلا فيه عن أحد الخبراء “الإسرائيليين” المتخصصين في البروبغاندا “الإسرائيلية” الموجهة للعالم العربي، “أن نتنياهو خيار جيد لكثير من الفرقاء في الشرق الأوسط، وإن كان رجل الشارع يعتبره قاتلاً للسلام” .
فهل إخفاق نتنياهو في تشكيل الحكومة التي كلِّف بتشكيلها ولم يتبق أمامه سوى أسبوع واحد فقط لتشكيلها وتقديمها إلى الرئيس “الإسرائيلي”، مع دلالة المؤشرات المتوافرة حتى الآن على إخفاقه حتى في تحديد شكلها وأعضائها، يؤكد عمق الانقسام الذي أفرزته الانتخابات “الإسرائيلية” ونتائجها غير الحاسمة بالنسبة للكتلتين الأكبر في الكنيست، الليكود والاتحاد الصهيوني؟
الجمعة 17 نيسان (أبريل) 2015
“إسرائيل” بعد الانتخابات والإعلام الغربي
الجمعة 17 نيسان (أبريل) 2015
par
محمد الصياد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
14 /
2189790
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين محمد الصيّاد ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
10 من الزوار الآن
2189790 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 11