تعمل كوندوليزا رايس الآن أستاذة للعلاقات الدولية، في الاقتصاد الدولي والسياسات العامة، في جامعة ستانفورد، وذلك بعد أن أنهت عملها مستشارة للأمن القومي ووزيرة للخارجية أثناء إدارة الرئيس جورج بوش الابن (2001 - 2009). وقد نشرت مقالا قبل أيام يحمّل الكونغرس الأميركي جزءا من انكماش الدور الأميركي عالمياً.
تنشط رايس كثيراً، هذه الأيام، في أروقة الجامعات، تتحدث للطلبة في قضايا عديدة، بدءا من أهمية تعلم الحديث أمام الناس، إلى السياسة. وقد استمعت لطلبة، منهم مثلا طالب تحدث عن أهميّة أن تكون غبياً، أي أن لا تكون متأكدا من شيء، وأن تسأل كثيراً؛ أن لا تعتقد أنك تعرف ولا تحتاج لتقرأ أو تسأل أو تدرس. لكن وسط هذا كله، كتبت مقالها في “واشنطن بوست” عن أهمية إعطاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، صلاحية يطالب بتجديدها، تعرف باسم “سلطة ترويج التجارة”، أو “المسار السريع”، ليتمكن من إبرام اتفاقيات تجارية من دون الحاجة إلى أن يدققها الكونغرس، لكن شريطة أن تعرض على الأخير فيوافق عليها أو يرفضها من دون تعديل. وقد انتهت هذه الصلاحية التي أعطيت لرؤساء أميركيين مؤقتا في الماضي، العام 2012.
تحدد رايس الضغوط التي تواجه الولايات المتحدة الآن، بأنها التطرف الإسلامي، وتحدي روسيا للسلام، والاستقرار في أوروبا، وأثر إيران المقلق في الشرق الأوسط. لكن رايس تعطي تركيزها بشكل خاص للصين، وأثرها في آسيا، ولاسيما إقليم المحيط الهادئ.
يتضح من مقال البروفيسورة رايس، أنّ مما يقلقها هو “الإقليمية” المتصاعدة عالمياً، من دون أن يكون للولايات المتحدة دور كبير فيها. فهي تتحدث كيف أنّ سياسة الصين لمد هيمنتها في آسيا مقلقة لحلفاء واشنطن هناك، مثل اليابان والفلبين، خصوصاً مع نمو “قدرات ونشاطات” بكين العسكرية. وتضيف أنّه منذ العام 1995، تمت مناقشة أكثر من 100 اتفاق إقليمي للتجارة في العالم، بينما “الولايات المتحدة تجلس جانباً”. وهذا لا يجب أن يستمر، “خصوصاً الآن”.
تتحسر رايس أنّ الأميركيين هم الذين صاغوا النظام الدولي، بعد الحرب العالمية الثانية، بفضل القوة العسكرية؛ على أسس هذه القوة، وعلى أساس الدفاع عن الحرية عموما، وعن حرية الأسواق والتجارة خصوصاً. لكن هذا يتغير الآن، والعالم وتحديداً حلفاء واشنطن، قلقون من فك ارتباط الولايات المتحدة (Disengagement) مع كثير من قضايا العالم. وهي إن كانت تلمح بهذا لسياسة أوباما بعدم التدخل في كثير من الملفات، أو التدخل المحدود، فإنّها تحمل الكونغرس وزراً، خصوصاً عدم إعطاء الرئيس صلاحيات، كما في حالة التجارة. إذ يعني عدم منحه تلك الصلاحية، بأن يقوم الكونغرس بمراجعة أي اتفاقية دولية سطراً بعد آخر، سيعقد الأمور والمفاوضات ويطيلها، وستتقدم دول لملء الفراغ، مثل الصين.
اللافت في حديث رايس أنّها تدافع ضمنياً عن التحالفات والاتفاقيات التجارية الإقليمية العالمية، وبالتالي على الأغلب عن أنواع تحالفات وتفاهمات أخرى شبيهة، ليست اقتصادية بالضرورة، مع أنّ هذا يتعارض مع جوهر فكرة العولمة وحرية التجارة العالمية. ففكرة منظمة التجارة العالمية هي أن تحرر التجارة والاستثمار عالمياً، أمّا الاتفاقيات الإقليمية، فهي وسيلة تطورت مع الزمن تسمح بتحرير التجارة بين الدول المتعاقدة، من دون أن يعني هذا بالضرورة، وعلى الأقل في المدى المنظور، التعامل مع باقي دول العالم بالطريقة ذاتها.
جوهر ما تقول به رايس هو أن تبرم الولايات المتحدة ترتيبات كافية مع مناطق وأقاليم ودول حول العالم، خصوصاً بشأن التجارة، وعدم إعاقة البيروقراطية الأميركية والمشرعين في الكونغرس لذلك، وأن ذلك مهم لديمومة القيادة الأميركية في العالم، بألا يصل العالم لقناعة أنّ واشنطن لا تكترث لحفظ النظام الدولي.
ما تقوله رايس خليط، فيه ما هو واضح بشأن الدور الأميركي العالمي، لكنه غامض من حيث الحديث عن النظام الدولي. فمن غير الواضح كيف ستكون اتفاقات واشنطن التجارية هي أساس النظام الدولي؛ إذ إن إعادة تشكيل النظام الدولي تتطلب مفاوضات عامة عالمية، وليس منظار التنافس وحسابات الربح والخسارة، فهذه الحسابات مهمة للنظام الدولي الأميركي وليس العالمي.
تفيدنا نصيحة الطالب عن قوة الغباء أعلاه بأن نسأل الأسئلة من دون وجل.
الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015
رايس وأهمية أن تكون غبيا
الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015
par
د.احمد جميل عزم
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
74 /
2195682
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف احمد جميل عزم ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
9 من الزوار الآن
2195682 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 7