السبت 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016

المستجدّات في المشهد الدولي والإقليمي والعربي

السبت 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 par زياد حافظ

هذه الورقة استكمال للورقتين السابقتين التي قدمناها: الأولى لاجتماع الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي في بيروت في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2015، والثانية في الاجتماع السنوي للمؤتمر القومي العربي الذي انعقد في الحمامات - تونس في 19-20 نيسان 2016. المنحى العام الذي عرضناه في الورقتين ما زال صالحا لذلك سنكتفي بعرض المستجدات على الصعيد الدولي والإقليمي والعربي.
الجزء الأول - المستجدّات الدولية.

في هذا الجزء نستعرض المستجدّات في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجموعة البريكس وأو الكتلة الاوراسية. وهذه المستجدّات نقاربها من منظور نقاط القوة والضعف التي أوردناها في ورقتنا الأولى في تشرين الأول/أكتوبر 2015. الخلاصة التي ما زلنا نؤكّدها هي أن التحوّلات بين مجموعة الدول الصاعدة المتمثّلة بالكتلة الاوراسية ودول البريكس ومعها محور المقاومة (سورية، حزب الله، والجمهورية الإسلامية في إيران) وبين الكتلة الغربية أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تحوّلات لمصلحة الكتلة الأولى. فالشرق يصعد والغرب يتراجع.

ربما البعض يعتبر أن تراجع الغرب تراجع موقت وأن لديه القدرة على استرجاع قوته وهيمنته أو حتى قوّامته، وأن الشرق سيواجه صعوبات بنيوية في استكمال مسيرته الصاعدة. لسنا من هذا الرأي. فالغرب ليس فقط في حال تراجع بل أفول ووتيرة التراجع/الأفول تتصاعد كما شرحناه سابقا ونستعرض بعض ما جئنا به في الفقرات التالية. أما الشرق فعناصر صعوده بنيوية وإن ترافقها تحدّيات داخلية وخارجية هدفها إبطاء الصعود أو حتى تحييده.

أولاً: الولايات المتحدة

ما زالت الولايات المتحدة تتمتّع بعناصر قوّتها الناعمة كأسلوب حياة يبهر العالم من موسيقى ووجبات سريعة وطريقة في اللباس والأفلام والمسلسلات التلفزيونية ما يجعلها محطّة توجّه رئيسية للهجرة. كما تتمتّع بالسيطرة على شرايين المال والتمويل عالميا ما يجعلها تموّل حروبها وفرض إرادتها بشكل يزداد صلافة يوما بعد يوم ما يدّل عن حالة الإرباك والخوف عند النخب الحاكمة من التراجع.
لكن حتى مقوّمات “الحلم الأميركي” بحياة رفاهية في “أرض الميعاد” الجديدة، وضمن “الاستثنائية” الخاصة بها، تهتزّ تحت وطأة التراجع الاقتصادي وتمركز الثروة والنشاط الاقتصادي في يد القلّة. لكن السبب الأهم هو رداءة النخب السياسية الحاكمة والطامحة للحكم من ديمقراطيين وجمهوريين سواء كانت بسبب قلّة المعرفة والجهل المتفشّي، وقلّة الخبرة، وقلّة المناقبية وانحدار الأخلاق العامة والخاصة لهذه النخب. هكذا انهارت الإمبراطورية القديمة، وهكذا تراجعت الحضارة العربية الإسلامية كما شرحها بالتفصيل ابن خلدون.

أ. تقييم السنة الأخيرة لولاية أوباما
شهدت الولايات المتحدة خلال السنة الأخيرة من ولاية أوباما مزيجا من الإنجازات والتراجع في السياسة الخارجية، وتراجعا على صعيد البنية الاقتصادية، وتدهورا في العلاقات الاجتماعية بين مكوّنات المجتمع الأميركي والشرطة في مختلف الولايات. وميزان الإنجازات يميل بشكل واضح لصالح الإخفاقات، ورغم كل ذلك ينعم الرئيس الأميركي بشعبية كبيرة تضاهي شعبية كلنتون في آخر ولايته وحتى شعبية رونالد ريغان.

فعلى صعيد الإنجازات كان الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وما رافقه من معارضة داخلية ودولية وإقليمية، الإنجاز الأكبر والأهم في عهده. كما أن إنهاء ملف العداء المزمن مع كوبا يُعد من إنجازاته. المثير هنا هو أن الانجازين هما انتصاران لمن تحدّى الولايات المتحدة. فكوبا تحمّلت الحصار السياسي والاقتصادي والعداء الأميركي منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي، بينما الجمهورية الإسلامية في إيران تحمّلت الحصار والعقوبات منذ قيام الثورة في أواخر السبعينات. ف “الإنجاز” الأميركي هو نصر لخصوم الولايات المتحدة! كما استطاعت الولايات المتحدة إنجاح انقلاب دستوري في البرازيل. لكن هذه المعركة لم تحسم فالمواجهة بين الشعب البرازيلي والزمرة الانقلابية الحاكمة ما زالت مفتوحة. أما في فنزويلا فالولايات المتحدة تجهد لقلب نظام الحكم لكن لم تفلح حتى الآن وإن تكاثرت المظاهرات المدعومة أميركيا لإنهاء حكم مادورو بعد الاستيلاء على البرلمان الفنزويلي.

أما على صعيد الإخفاقات فهي عديدة نذكر البعض مهنا فقط لضيق المساحة.

أولا، في دول المشرق العربي لم تستطع القضاء على سورية رغم الحرب الكونية التي شنّتها عليها. كما أن حليفتها، حكومة الرياض، أخفقت في تحقيق أي إنجاز في اليمن مما ينعكس سلبا على الولايات المتحدة التي دعمت العدوان على اليمن. وإضافة إلى ذلك فإن قانون جاستا الذي صوّت عليه الكونغرس الأميركي بشبه إجماع وهزم نقض الرئيس الأميركي فذلك من شأنه زيادة في التصدّع في العلاقة مع الولايات المتحدة. وأخيرا وليس آخرا، تفقد الولايات المتحدة تدريجيا التأثير على مصر التي تقترب من الصين وروسيا وإيران.

ثانيا، أما على صعيد دول الإقليم، فالعلاقات متوترة مع تركيا خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشل ما أدّى إلى المزيد من التقارب التركي الروسي والتركي الإيراني دون أن يؤدّي ذلك لخروج تركيا من الحلف الأطلسي. والعلاقة تزداد التباسا مع تركيا بعد دعم الولايات المتحدة للأكراد في سورية بما له من تداعيات على الأمن القومي التركي. أما على الصعيد الإيراني، فلم تلتزم الولايات المتحدة بتنفيذ رفع الحصار الاقتصادي والمالي على الجمهورية ولكنها لم تستطع منع عدد من دول الاتحاد الأوروبي للسعي إلى فك الحصار عن إيران. أما على صعيد الكيان الصهيوني فمستوى العلاقات بين الولايات المتحدة شهد، في العمق، المزيد من التصدّع دون أن تؤدّي إلى فك الارتباط.

ثالثا، الإخفاقات في أفغانستان تتلاحق حيث أصبحت حركة طالبان مسيطرة على مساحات واسعة من البلاد دون أن تستطيع الحكومة الأفغانية بمؤازرة القوّات الأميركية من استعادتها.

رابعا، منيت إدارة اوباما بهزيمة في أوروبا، حيث شكّل التصويت في المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي صفعة كبيرة للولايات المتحدة التي تفقد بالتالي حليفا موثوقا داخل الاتحاد.

خامسا، فشلت إدارة أوباما حتى الآن في تجنيد دول المحيط الهادئ في مشروع الشراكة عبر المحيط لمحاصرة الصين. ويمكن الإضافة أن الولايات المتحدة في طريقها لفقدان قاعدة في جنوب شرق آسيا، أي الفيليبين، حيث الرئيس الفيليبيني دوتارت لم يخف رغبته عن التقرّب من الصين والهند وروسيا والابتعاد عن الولايات المتحدة. كما أن بعض الدول المؤيّدة للولايات المتحدة تقليديا أعلنت تقاربها مع الصين. فإضافة للفليبين هناك ماليزيا ولاوس وتايلاند. في كوريا الجنوبية مظاهرات تطالب بتنحي الرئيسة الموالية للولايات المتحدة.

ب. الانتخابات الأميركية
موسم الانتخابات العامة والرئيسية كشف عن عدم ارتياح الأميركيين لأداء النخب الحاكمة في المحافظة على المكتسبات التي تشكّل أسلوب الحياة أو ما يُسمّى ب “الحلم الأميركي”. فالخطاب السياسي خلال الانتخابات التمهيدية داخل الحزبين أظهر مدى تململ المواطن الأميركي تجاه نخبه. استطاعت النخب في الحزب الديمقراطي تحييد التململ في القاعدة عبر “سرقة” الانتخابات التمهيدية من المرشح برني سندرز لمصلحة بنت المؤسسة الحاكمة والدولة العميقة المتمثلة بحزب الحرب، أي هيلاري كلنتون. ولكن ذلك التحييد لم يلغ النقمة داخل الحزب الديمقراطي وخاصة عند الشباب. فما زال المؤيّدون لسندرز متمسّكين بضرورة الإصلاح الجذري في البنى السياسية والاقتصادية بينما هيلاري كلنتون تمثّل الحفاظ على الأمر الواقع. صحيح أن الأخيرة تمتلك المعرفة و“الخبرة” لكن يرافقها فسادها وفساد زوجها الرئيس السابق بيل كلنتون وفساد الطبقة المالية التي تموّلها. وبعد الانتخابات يشهد الحزب الديمقراطي حركة تهدف إلى تطهير داخلي من نفوذ وسطوة وفساد كلنتون شبيهة بما حصل داخل حزب العمال البريطاني. ليس من الواضح من سيقود التغيير ولكنه بات واضحا أن القاعدة، وهي قاعدة سندرز، هي التي تدفع بذلك.

أما ظاهرة دونالد ترامب، فهي ظاهرة تدلّ بدورها على تململ القاعدة الجمهورية من نخبها التقليديين فأقصت خلال الانتخابات التمهيدية مرشّحي هذه النخب لمصلحة الخطاب الشعبوي الذي أطلقه دونالد ترامب، علما أن مواصفات قيادة البلاد غير متوفرة فيه علميا، معرفيا ومن حيث التجربة العامة، وأخلاقيا. لكن ما يطرحه ترامب على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي يلاقي تجاوبا كبيرا عند الطبقات الوسطى ودون الوسطى البيضاء. فحالة الضيق الاقتصادي ساهمت في تعزيز الغرائز والعصبيات العرقيات التي استفاد منها ترامب برفع منسوب العدائية للأقليات إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ الأميركي المعاصر.

ما يمكن استخلاصه من مقاربة المشهد الانتخابي الأميركي هو تبيان صارخ للخلل في النظام السياسي الأميركي. فالخيارات المطروحة على الأميركيين لا تعكس رغباتهم وطموحاتهم. فالنخب السياسية المتحكّمة بالأمور منقطعة عن الواقع ولا تستطيع أن تباشر بالتغيير. لذلك من المتوقع أن نشهد المزيد من التدهور في المشهد السياسي الأميركي ربما إلى نقطة لا يمكن الرجوع عنها أو حتى الانفجار الداخلي.

فالمظاهرات التي تعمّ المدن الكبرى احتجاجا على فوز ترامب تفيد أن الولايات المتحدة قد تدخل في حالة عدم استقرار مزمنة إن لم يسارع الرئيس المنتخب استدراك الأمور. كما أن العالم يراقب بدقة المشهد الأميركي ويبدأ بمراجعة الانصياع للإملاء الأميركي. فالمرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التراجع للدور والنفوذ الأميركي على الصعيد العالمي قد يحّل مكانه توزّع بين أقطاب الدول الصاعدة.

نتائج الانتخابات الأميركية كانت بمثابة زلزال هزّ مرتكزات العمل السياسي في الولايات المتحدة بعدما تحدّثت النخب المتحكّمة بحتمية فوز بنت المؤسسة الحاكمة هيلاري كلنتون. وانتخاب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يوازي في الأهمية التصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي وما يمكن أن يرافقهما من تغيرات في موازين القوة على صعيد العلاقات الدولية. هذا إذا ما كتب للمملكة المتحدة الخروج نهائيا من الاتحاد الأوروبي دون أي عائق قانوني داخلي وإذا ما سمح للرئيس المنتخب ترامب من تحقيق كل أو بعض القضايا على أجندته السياسية. فالرئيس المنتخب يأتي بتوجّهات مختلفة عن توجّهات النخب الحاكمة وخاصة توجّهات حزب الحرب الذي لن يستسلم. ويبقى السؤال من يستسلم لمن؟

ت. المشهد الاقتصادي

على الصعيد الاقتصادي فحالة الانفصام بين العالم المالي والاقتصاد الفعلي المنتج تتفاقم بشكل يعكس التوجّهات الفكرية والعقائدية للنخب الحاكمة. فبرنامج هيلاري كلنتون السياسي والاقتصادي والاجتماعي يهدف إلى المحافظة على الوضع القائم دون تغيير بل ربما فتح المجالات للشركات الكبرى الاحتكارية وذلك على حساب الوظائف وفرص العمل. فالرأس المال لم يعد ذلك العامل لإنتاج السلع والخدمات، بل تحوّل إلى أداة لجني الثروات الافتراضية عبر المضاربات المالية والعقارية التي لا تخلو من طابع السطو الممنهج.

الاعلام المهيمن، كي لا نقول الاعلام الرسمي والذي تملكه ست شركات فقط هو إعلام للنخب الحاكمة والدولة العميقة وحزب الحرب. تجاوز ذلك الإعلام كل تناقضات المرشحة كلنتون، بل رفض البحث فيها، فصبّ كل سمومه بشكل غير مسبوق له على دونالد ترامب لإسقاطه. صحيح أن الأخير ساعد ذلك الإعلام المعادي له من حيث يدري أو غير يدري بسلوكه الفظ إلاّ أن ما كان يطرحه من تغييرات على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني شكّل تهديدا مباشرا للدولة العميقة وحزب الحرب. فذلك الحزب يضم المجمّع العسكري الصناعي والأمني، وبيوت المال، وشركات النفط.

اما التراجع الاقتصادي فيكمن في تراجع القوة الإنتاجية الصناعية حيث فقدت الشركات الكبرى القدرة وإرادة المحافظة على التفوّق التكنولوجي المعهود لديها سابقا. واستطاع الرئيس المنتخب أن يلعب على وتر فقدان الوظائف في الولايات الأساسية التي كانت موطنا للصناعات الأميركية والتي تمّ تفكيكها وتصديرها للخارج. هذه الولايات كانت تصوّت لصالح المرشح الديمقراطي كبنسلفانيا واوهايو ووسكنسن ومينيسوتا إلاّ أن في الانتخابات الأخيرة صوّتت للمرشح الجمهوري. نذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر أن شركة جنرال إلكتريك العملاقة التي كانت تنتج مروحة واسعة من السلع الصناعية والمحرّكات للطائرات وسائر وسائل النقل لا تستطيع منافسة الشركات الصينية في إنتاج القطار السريع. وهذا القطار السريع، على ما يبدو، سلاح إغرائي للصين لدخول أسواق وقارات لا تستطيع الولايات المتحدة خرقها أو الحفاظ عليها. أما على صعيد التكنولوجيا المعلوماتية فالولايات المتحدة تواجه تنافسا من كل من الصين والكوريتين وروسيا والهند. فعملية تصدير الأعمال الإدارية لدى الشركات الكبرى والمؤسسات الدولية لدول مثل الهند أتاحت الفرصة لهذه الدول للاستثمار في البحوث المعلوماتية حيث يعتبر البعض أنها أصبحت متفوّقة على الولايات المتحدة. لضيق المساحة لن نذكر معظم حالات التراجع التي ذكرناها في بحوث سابقة. ما حصل مؤخّرا هو تسارع وتيرة التراجع خاصة في البنى التحتية والمدارس والمرافق العامة.

هذا التراجع على الصعيد الاقتصادي يؤثّر بشكل مباشر على قدرة الولايات المتحدة على مواجهة خصومها. فإذا افترضنا أن سياسة الإدارة الجديدة هي مواجهة روسيا على سبيل المثال فبعض الأرقام تساعد على فهم محدودية قدرة الولايات المتحدة على المواجهة. فالولايات المتحدة ترزح تحت وطأة دين عام يوازي 104 بالمائة من الناتج الداخلي أي ما يقارب 19،2 تريليون دولار بينما الدين العام في روسيا لا يتجاوز 18 بالمائة من ناتجها الداخلي. عجز الميزان التجاري في الولايات المتحدة يفوق 532 مليار دولار بينما تنعم روسيا بفائض قدره 150 مليار دولار. الحساب الجاري في ميزان المدفوعات الأميركية في حالة عجز يوازي 2،7 بالمائة من الناتج الداخلي أي 484 مليار دولار بينما تنعم روسيا بفائض في حسابها الجاري في ميزان المدفوعات قدره 66 مليار دولار أي أكثر من 5 بالمائة من الناتج الداخلي. كما أن روسيا تملك كافة المواد الأولية لنهضتها الاقتصادية بينما تحتاج الولايات المتحدة لأساطيل وقواعد عسكرية (أكثر من 700 قاعدة عسكرية في العالم والولايات المتحدة) لضمان وصول احتياجاتها من المواد.

ث. التراجع الاجتماعي

رافقت الحملة الانتخابية العامة والرئاسية سلسلة من أعمال عنف لها الطابع العنصري حيث تصاعدت المجابهات بين الشرطة والجاليات السود. كما أن العنصرية تسيطر على قسم كبير من الخطاب السياسي لدى النخب كخطاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يعكس مزاج شريحة واسعة عند الأميركيين. والخطاب العنصري يتلازم مع التراجع الاقتصادي حيث تقاسم الوظائف ولقمة العيش بين مكوّنات المجتمع الأميركي يزداد صعوبة يوما بعد يوم مع عدم اكتراث النخب الحاكمة. فالانفصام والهوة تزداد بين شرائح واسعة من الشعب الأميركي ونخبه وبين مكوّنات ذلك الشعب مما ينذر بانفجار شامل قد لا يكون بعيدا في المنظور الزمني. أضف إلى ذلك ترهّل البنى التحتية والخدمات الاجتماعيات ما يضيف إلى حالة الإحباط والغضب المتفاقم عند الأميركيين.

الحلم الأميركي في إطار الزوال. عدد من الباحثين كجان بودريار (1929-2007) في علم الاجتماع يعتبرون أن النسيج الاجتماعي في الولايات المتحدة يتلاشى وأن الخطاب الثقافي الاجتماعي أصبح خطابا لا يلغي العقل النقدي فقط بل حتى التفكير. هذا ما جاء به منذ عقدين وما زال تقييمه بعد رحيله في مكانه. فسيطرة الشركات العملاقة على الاعلام بشكل عام حيث ست شركات تملك أكثر من 90 بالمائة من الاعلام أضحت إلى فرض خطاب واحد وعقل واحد أسوة بالخطاب والعقل الشمولي الذي ينسب عادة للأنظمة الشمولية. فالخروج عن ذلك الخطاب يصبح مكلفا للغاية لمن يتصوّر أن بإمكانه نقده. هذا ما شهدناه عندما تمّ إقصاء المرشح الديمقراطي برني سندرز عبر عملية محكمة لسرقة التسمية منه. وهذا ما نشهده في الحملة الشرسة الشمولية على المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي تجرّأ التفوّه بخطاب خارج عن الحدود المسموحة من قبل الدولة العميقة وحزب الحرب. أما وقد استطاع ترامب أن يخرف الجدار الإعلامي فستتزايد الدعوات لتفكيك التجمّعات الاحتكارية في الاعلام. أما نجاحها فسيعود إلى جدّية الرئيس المنتخب بتبنّي تلك الدعوة إن كان جادا في دعوته “لتجفيف المستنقع”!

ج. توجّهات الإدارة الجديدة.

من المبكر عند كتابة هذه السطور تحديد مسار الولايات المتحدة داخليا وخارجيا. فلا بد من تحليل في العمق لنتائج الانتخابات وما أفرزته من قوى كما لا بد من تحديد الطاقم الجديد لذي سيتولّى الإدارة. لكن بغض النظر عن كل ذلك فإن الخيارات الخارجية محكومة بالوضع الداخلي الأميركي كما هي محكومة بموازين القوة التي أفرزتها التحوّلات في العالم.

عند إعداد هذه الورقة لم يقدم الرئيس المنتخب على تسمية فريق عمله. لكن بعض المعلومات التي تمّ تسريبها تفيد بأن بعض رموز المحافظين الجدد قد يتسلّلون إلى مواقع حسّاسة كالخارجية (كلام عن ترشيح جون بولتون). إضافة إلى ذلك بعض الأسماء المطروحة معروفة بعداءها للعرب وللمسلمين كرودي جولياني المرشح لوزارة العدل ونيوت غينغريش لوزارة الأمن. على كل حال، هذه مجرّد تكهّنات ولكن إن صحّت فموجة التفاؤل التي صاحبت فوز ترامب قد تكون في غير محلّها بالنسبة للانكفاء من صراعات شرق الأوسط مما يؤكّد قوّة حزب الحرب في أميركا الذي يمتلك الدولة العميقة.

ثانيا: المستجدّات في أوروبا.

ثلاث محطات مستجدّة فارقة تحدّد المشهد الأوروبي. المحطّة الأولى هي قديمة نسبيا، أي استمرار الأزمة الأوكرانية وتفاقمها سياسيا وميدانيا وعجز الاتحاد الأوروبي عن مواجهتها سواء بسبب عجز موضوعي أو بسبب فقدان الرؤية والقدرة والإرادة. فالسمة المشتركة للنخب الحاكمة في الاتحاد الأوروبي هي رداءتها في التقدير والمعرفة والأخلاق. ويضاف إلى الأزمة في أوكرانيا توتر الأوضاع في بلاد دول البالتيك حيث الخطاب السياسي فيها وفي دول الغرب هو إمكانية إقدام روسيا على احتلالها كرد على نشر الصواريخ الأميركية وإرسال مجموعات عسكرية للتمركز فيها وفي بولندا.

المحطة الثانية الفارقة هي موجة المهاجرين والنازحين من دول شمال إفريقيا وسورية وأفغانستان الساعيين لحياة أفضل أو الهاربين من اتون الحروب والسموم التي أطلقتها سياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي في دول شمال إفريقيا (ليبيا مثلا) وشرق البحر المتوسط (سوريا) ووسط آسيا (أفغانستان). فهذه الموجة سببها تراكمات سياسية تعود إلى عدة عقود حيث قرّرت حكومات أوروبية فتح باب الهجرة للتعويض عن تراجع نسبة الخصوبة في النسل ما يهدّد ديمومة الثقافة والحضارة الغربية. كما أن الأعمال التي يقوم بها المهاجرون إلى أوروبا أعمال يرفض القيام بها المواطنون الأصليون. فمجتمع الرفاهية خلق ثقافة ترفض ما تعتبرها من الأعمال الدونية كتنظيف الشوارع والمجارير والأعمال المرهقة في البناء وخدمة المنازل إلخ. وبما كانت الحالة الاقتصادية في حالة نمو لم تشكّل تلك الوفود المهاجرة ضغطا على الموارد.

أما وأن معظم أوروبا ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية ومالية ما زالت الحكومات عاجزة عن مقاربتها بشكل مدروس، أصبح المهاجرون كبش المحرقة لغضب المواطنين الأصليين. وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية يعود إلى تبعية مفرطة لسياسات الولايات المتحدة التي تعطي الأولوية للمؤسسات المالية والشركات الكبرى على حساب الوظائف والاستقرار الاجتماعي. كما أن سياسات الحكومات الغربية التابعة للمشيئة الأميركية جعلتها شريكة في الحروب والدمار الذي يتبعها في عدد من الدول. هذه الدول أعادت تصدير الإرهاب، الغربي المنشأ أصلا، عبر وفود مهاجرة يتغلغل فيها عناصر الإرهاب التي شجّعتها بشكل غبّي ومرتجل تلك الحكومات. والأعمال الإرهابية التي عصفت بعدة عواصم ومدن أوروبية غذّت الشعور بالغضب والخوف من المهاجرين والنازحين.

من أهم تداعيات موجة المهاجرين والنازحين صعود في عدد من الدول الأوروبية الخطاب العنصري والأحزاب اليمينية المتطرّفة. فهذه الأحزاب تجمع على ترحيل المهاجرين والنازحين ما يعيد ذكريات الحرب العالمية الثانية ومخيّمات العمل الإجباري والإبادة. فالانحدار في الأخلاق والسلوك العامة يسهّل ترويج الخطاب العنصري والعنف الذي يرافقه. فالمجتمعات الأوروبية مقبلة على تصادمات قد تطيح بالتماسك الاجتماعي وتزيد من التراجع الاقتصاد ما يدعم استمرار الحلقة المفرغة. فالأزمة المالية والاقتصادية تلازمت مع أزمة الهوية والمحافظة عليها. فإشكالية “الآخر” تعود إلى مصدرها، أي الغرب، بعد أن صدّرتها للدول العربية والمسلمة.

المحطة الثالثة هو قرار الناخبين البريطانيين بالخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي. لم تكن الحكومة البريطانية المحافظة تتوقّع نتائج التصويت في الاستفتاء حول البقاء في الاتحاد الأوروبي فكانت الصدمة في نتائج التصويت ليست فقط على الحكومة البريطانية ولكن عند الإدارة الأميركية التي ستفقد بالتالي حليفا موثوقا ومطيعا داخل الاتحاد الأوروبي. معظم دول الاتحاد رحّب بقرار الناخبين البريطانيين مما يدلّ على “شعبية” الحكومة البريطانية داخل الاتحاد الأوروبي. لكن بالمقابل كان قرار المحكمة العليا البريطانية في ربط تنفيذ قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي بموافقة مجلس العموم. قد يكون ذلك القرار عائقا أمام الخروج المنظّم والسريع للملكة المتحدة. فالتوتر السياسي والقانوني داخل المملكة المتحدة بين مؤيّد للخروج ومعارض له سيتفاقم إلى درجة تهديد التماسك الاجتماعي والسياسي. فمن تداعيات قرار الخروج إعادة الحياة إلى الحركة الانفصالية في اسكوتلندا التي كانت دائما تؤيّد البقاء في الاتحاد وأن أول قرار قد تتخذه الدولة الأسكتلندية المنفصلة عن المملكة المتحدة هو طلب الالتحاق بالاتحاد الأوروبي. الجدير بالذكر أن معظم حقول النفط في بحر الشمال ستصبح تحت سيادة الدولة الأسكتلندية. بالمقابل تتجدّد الدعوات الوحدوية بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية بسبب رغبة بقاء الأقلّية الكاثوليكية في الشمال داخل الاتحاد الأوروبي. فإذا نجحت تلك الدعوة وتلازمت مع انفصال اسكوتلندا فستتحجّم المملكة المتحدة إلى مقاطعتين فقط انكلترا وبلاد ويلز.
أما ألمانيا فتواجه حكومة انجيلا مركل مأزقا بسبب صعود حزب جديد يعارض سياسة الحكومة الألمانية في استقبال النازحين والمهاجرين. وكذلك الأمر بالنسبة لحكومة مقدونيا والمجر اللتين ترفضان استقبال النازحين من سورية وأفغانستان. ويرى العديد من المراقبين أن نجم هيمنة ميركل على الاتحاد الأوروبي بدأ بالأفول خاصة إذا ما خسر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند معركته الانتخابية لصالح حزب الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبين.

أما فيما يتعلّق بالموقف من الحرب في سورية والعراق فإن موقف بعض الدول الأوروبية كفرنسا والمملكة المتحدة في خانة السلبية. فما زالت هذه الدول تدعم الجماعات المتشدّدة معتبرة إياها فصائل “معتدلة” في سورية وإرهابية في العراق. وتتماهى سياسة فرنسا والمملكة المتحدة مع سياسة الولايات المتحدة.

جميع هذه التطوّرات تنذر بمستقبل قاتم للاتحاد الأوروبي. فالكلام عن تفكيك الاتحاد يتزايد يوما بعد يوم خاصة وأن عددا من الدول الأوروبية ستواجه استحقاقات انتخابية في ربيع 2017 (فرنسا، المانيا، وهولندا) وإمكانية فوز الأحزاب اليمينية التي لا تخفي عدائها للاتحاد الأوروبي ومؤسساته التي تكبح السيادة الوطنية لهذه الدول. نشهد عودة القوميات على حساب المشروع الاتحادي. كما أن سياسات النقد الأوروبية تلتحق بسياسات الولايات المتحدة على حساب مصالح الشعوب الأوروبية ولمصلحة المؤسسات المالية الكبرى.
فشل الاتحاد الأوروبي في معالجة الأزمة الأوكرانية بعيدا عن الإملاءات الأميركية تبعه عجز في مساعدة اقتصادية ومالية لدول شرق ووسط أوروبا. هذا شكّل فرصة للصين لاستثمار أموال صناديقها في الاقتصادات الأوروبية مما يعزّز فرص فك الارتباط بالولايات المتحدة خاصة وإن انتصرت الأحزاب اليمينية في الانتخابات المقبلة. هذا ما أفادته وكالات الانباء عن نية الصين في الاستثمار في شرق ووسط أوروبا.

ثالثا: المستجدات في البريكس والكتلة الاوراسية

اتسمت سياسة كل من روسيا والصين بالمزيد من التصدّي لسياسات الولايات المتحدة عبر تصعيد عسكري في سورية وفي بحر الصين.

أ. المستجدّات في الصين.
تميّزت السياسة الخارجية الصينية في الآونة الأخير برفع وتيرة مواقفها من الولايات المتحدة في شرق وجنوب آسيا حيث أبدت استعدادها للمواجهة إذا لزم الأمر. فأزمة الجزر الاصطناعية في بحر الصين تعبير عن رفض الولايات المتحدة لإقامة الصين قواعد بحرية وعسكرية فيها ما يهدّد مباشرة هيمنة الولايات المتحدة على الممرّات البحرية في المحيط الهادي وفي جنوب شرق آسيا. وما صدر عن محكمة لاهاي من قرار ينقض حق الصين في الجزر الاصطناعية (للعلم اسم البحر هو بحر الصين!) يعكس مدى انحياز المؤسسات الدولية لمصالح وسياسات الولايات المتحدة بشكل عام. غير أن الصين ماضية في تثبيت سياساتها وقدراتها البحرية العسكرية وإن كان الميزان ما زال يميل لمصلحة الولايات المتحدة. فالصين تراهن على عدم قدرة الولايات المتحدة في الاستمرار في سياستها العدوانية لأسباب عديدة كالتراجع الاقتصادي والمزاج الشعبي الأميركي المعادي لأي مواجهة عسكرية خارج حدود الولايات المتحدة.

لكن كل ذلك لم يمنع الصين من السير نحو طرح نهج توافقي سياسي على قاعدة اقتصادية تستطيع من خلاله استمالة الدول الآسيوية المرتبطة تقليديا بالولايات المتحدة. كما أنها على الصعيد العالمي تثبّت أنها دولة عظمى مستعدة للعب دورها. فقمة دول العشرين التي عقدت في هانغ زوو قمة جيوسياسية وجيواقتصادية بامتياز أوضحت للعالم أن هناك مشروعين مختلفين يتنافسان على كسب العالم. المشروع الغربي بقيادة الولايات المتحدة يريد الحفاظ على الوضع القائم، ويتبع سياسة “فرّق تسد” في كل أنحاء العالم لإخضاع الدول للمشيئة الأميركية وإن كان على حساب الشعوب. أما المشروع المنافس بقيادة الصين المتحالفة مع الاتحاد الروسي فيعرض شيئا آخرا يهدف إلى تحقيق النمو والتنمية للعالم، ويأخذ مصالح الشعوب بعين الاعتبار. في مرحلة سابقة لم تكن بعيدة، كان الهدف المشترك لتلك الدولتين ومعهما البرازيل وجنوب إفريقيا والهند، أي دول البريكس، التصدّي لمشاريع الهيمنة الأميركية ورفض التبعية لها. بالمناسبة عقدت مجموعة دول البريكس اجتماعا قبل انعقاد قمة العشرين مما يدل على تماسك المجموعة رغم الأحداث والتطوّرات في كل من البرازيل وجنوب إفريقيا. هذا الموقف الرافض للهيمنة الأميركية طابعه سلبي. أما اليوم فهناك مشروع طابعه إيجابي يصعب على الولايات المتحدة إفشاله، ومن يقف معها من الدول المضلّلة إقليميا وعالميا، والتي فقدت القدرة على قراءة التحوّلات الدولية. فذلك المشروع هو مشروع “طريق الحرير” أو مشروع “حزام واحد وطريق واحد”.

فما هو ذلك المشروع؟ فهو المشروع الاوراسي، الذي يربط أوروبا بآسيا والذي يخلق سوقا عشر أضعاف حجم السوق الأميركي، وذلك خلال عقدين من الزمن. المراكز والمواقع الآسيوية والروسية تشرح بالتفصيل معالمه، والذي يغيّبه الاعلام الغربي وحتى العربي. فنرى مدى تفوّقهم في الرؤية والتحليل والموضوعية على أرباب الاعلام والتحليل الغربي! والسوق المرتقب يتميّز بالتواصل الكبير أو المبالغ به (هيبر كونكتيفتي). هذا هو مستقبل العولمة التي قتلها جشع النخب المالية في العالم بينما مشروع الترابط والتواصل التي تروّجه الصين قد يصحّح الانحرافات التي أوجدتها العولمة غير المنضبطة وغير مهتمة بمصالح الشعوب. فهذا السوق الاوراسي يحمل في طيّاته مشاريع عديدة تقدّر 1،4 تريليون دولار تشمل 64 دولة و4،4 مليار نسمة وتشكّل 40 بالمائة من الاقتصاد العالمي. وهذه المشاريع ستخلق طرقا جديدة، ومترابطة، وجامعة، ومبدعة، في التجارة والصناعة والتواصل مما يجعل جميع المشاركين، دولا وشعوبا، في موقع الرابح.
في هذا السياق نشير أن دول مجموعة دول جنوب شرق آسيا أو آسيان (ASEAN)، والتي تضم 16 دولة وتشكّل 16 بالمائة من التجارة الدولية، تفكّر جدّيا بالالتحاق بمشروع الشراكة الشاملة الإقليمية المنافسة لمشروع الشراكة عبر المحيط الهادي بقيادة الولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن مجموعة تلك الدول تعتبر الحديقة الآسيوية للولايات المتحدة مما يدّل على مدى تراجع موقع الولايات المتحدة عند تلك الدول. للعلم، أظهر الاعلام مؤخرا مدى تردّي العلاقات بين الفيليبين والولايات المتحدة. ومن يعلم مدى ارتباط الفيليبين بالولايات المتحدة يعي مدى الهوة التي بدأت تظهر. تذكرنا تلك الهوة بتلك التي نراها يوما بعد يوم بين الولايات المتحدة وتركيا. أما سنغافورة ومليزيا فحجم الجالية الصينية فيهما يجعل من الصعب تجاهل دور الصين ونفوذ الصين في البلدين. فزيارة رئيس وزراء ماليزيا إلى الصين وتصريحه برغبة بلاده المزيد من التعاون مع الصين دليل إضافي على مدى نجاح الدبلوماسية الصينية على حساب الدبلوماسية الأميركية وتراجعها البنيوي. أما استراليا فباشرت بالتبادل التجاري مع الصين والدفع بالعملة الصينية للصادرات الصينية مما يدلّ على خروج الدولار الأميركي كوسيلة الدفع بين البلدين. كل ذلك على سبيل المثال وليس الحصر. فالمستقبل إذن، هو للشرق وليس للغرب الذي يشيخ ويقوده نخب رديئة في العلم والفهم والأخلاق.

مقابل كل تلك الإنجازات السياسية والاقتصادية التي حققتها الصين تحاول الولايات المتحدة محاصرة الصين وخلق الشغب في شرقها وغربها. فالمظاهرات التي ظهرت فجأة في هونغ كونغ مطالبة باستقلال المدينة عن الصين دليل عن تدخل الاستخبارات الأميركية في شؤون الصين. كما أن دعم مطالب الأقاليم المسلمة في شرق الصين يندرج في سياسة تفتيت المحيط الصيني ودعم الحركات المتشدّدة الإسلامية لخلق القلاقل في آسيا الوسطى وغرب آسيا. لكن بالمقابل نشهد تقاربا بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الصين الوطنية تايوان ما يزعج حسابات الولايات المتحدة.

في المحصلة استطاعت الصين مرّة أخرى بعد قمة 2014 أن تظهر كدولة عظمى بكل معنى الكلمة. فقمة دول العشرين في هانغ زوو كرّس ذلك الدور كما أوضح لمن لم يستوعب التغيّرات الدولية والإقليمية بأن المستقبل أصبح في الشرق.

ب. المستجدّات في روسيا

شهدت المرحلة الأخيرة تنامي الدور الروسي على الصعيد الدولي في أوروبا والمشرق العربي وآسيا. وفيما يتعلّق بالعلاقة مع الولايات المتحدة فيمكن القول إن روسيا هي محور الاهتمام في الخطاب السياسي الأميركي في حقبة الانتخابات العامة حيث حضور روسيا في كافة نشرات الأخبار والحوارات التلفزيونية كان ملفتا. وهذا الاهتمام الهجومي على روسيا يعود إلى اعتقاد خاطئ عند حزب الحرب المتحكّم بالإعلام بأن روسيا هي الحلقة الضعيفة في الكتلة الاوراسية التي تضم الصين. لقد أصبحت الأخيرة لقمة صعبة البلع، وبالتالي تحوّل التركيز على روسيا.

الاعتقاد السائد بضعف روسيا النسبي يعود إلى وجود داخل الطبقة الحاكمة الروسية من يُسمّى بالأطلسيين. وهم الذين يحبّذون التفاهم مع الغرب وخاصة مع الولايات المتحدة ولا يريدون الالتفات إلى الصين التي يخشونها. وبالتالي دعمت هذه المجموعة سياسات مالية ونقدية هدفها فرض اللجوء إلى المؤسسات الغربية لتمويل المشاريع الكبيرة وخاصة النفطية والغازية. بالمقابل هناك الفريق القومي الروسي الذي يجنح إلى تخفيف العلاقات المالية مع الغرب واللجوء إلى التبادل المالي بالعملات الوطنية بعيدا عن الدولار. لم يحسم ذلك الصراع ولكن تميل الكفّة يوما بعد يوم لمصلحة الفريق القومي وذلك بسبب حماقة السياسات الأميركية والأوروبية تجاه روسيا.

أما على الصعيد العسكري فإن طابع التسليح الروسي هو دفاعي وليس هجومي بينما طابع التسليح الأميركي هو هجومي. بمعنى آخر إن التفوّق الهجومي الجوي الأميركي المزعوم يقابله منظومة صاروخية روسية متطوّرة جدّا تحيّد إن لم تلغ التفوّق الجوّي الأميركي. كما أن وظيفة السلاح البحري الروسي وظيفة دفاعية عبر امتداد المنظومة الصاروخية الدفاعية بينما وظيفة السلاح البحري الأميركية وظيفة هجومية على حساب الإجراءات الدفاعية لها. أي بمعنى آخر في حال مجابهة عسكرية مع روسيا فإن منظومة حاملات الطائرات الأميركية تصبح فريسة المنظومة الصاروخية الروسية. تبيّنت فعّالية المنظومة الصاروخية الروسية في إجهاض محاولات الهجوم الأميركي على سورية في صيف 2013 إبّان أزمة السلاح الكيمياوي. استطاعت الصواريخ الروسية إسقاط صاروخين كروز أطلقتها البحرية الأميركية من قاعدة في اسبانيا تجاه سوريا. الصواريخ الروسية التي تصدّت لها أطلقت من بحر القزوين. فكان التوجّه الأميركي إلى غض النظر عن مغامرة غير محسوبة في المواجهة مع روسيا. يتأكد ذلك في تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوّات المسلّحة الأميركية في جلسات استماع لمجلس الشيوخ الأميركي في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي حول قرار فرض الحظر الجوّي على الطائرات السورية يعني الحرب المباشرة مع كل من سورية وروسيا فهذا قرار ليس على استعداد أن يتخّذه.

كثافة الوجود البحري الروسي في شرق المتوسط يعني أن روسيا موجودة بثقل في ذلك البحر وأن سورية خط أحمر. حاولت الدبلوماسية الروسية إشراك الولايات المتحدة في مقاربة مشتركة في مواجهة جماعات التعصّب والتوحّش في كل من سورية والعراق غير أن الولايات المتحدة لم تكن مستعدّة لذلك. وعلى ما يبدو فإن الانقسامات الداخلية الأميركية تحول دون حسم الموقف الذي سيُترك للإدارة الجديدة التي ستتولى الأمور في مطلع عام 2017. هذا يعني أن التقدير الدقيق لموازين القوة العسكرية والاقتصادية والمالية هو الذي سيحدّد طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، علما أن الفريق الأميركي السياسي في حالة إنكار لواقع الحال وقد يرتكب الحماقة القاتلة. بالمقابل يوجد داخل المؤسسة العسكرية الأميركية من هو أكثر تعقّلا وحكمة قد يلجم حماقة الرؤوس الحامية.

هذا يعني أن روسيا ماضية في دعم الدولة السورية في معركتها ضد جماعات التعصّب والتوحّش وضد المغامرات غير المحسوبة لحكومة اردوغان. إن تسارع التطوّرات في الميدان السوري قد يخلق أمرا واقعا لا يمكن تجاهله أو تغييره في المدى المنظور. لذلك تقف روسيا على عتبة نصر استراتيجي لها في المنطقة وارتداداته في العالم. ليس هناك مبالغة أن تداعيات الحرب على سورية ستغيّر معالم شرق الأوسط فحسب بل أيضا ميزان القوة على الصعيد العالمي وبالتالي إلى بلورة نظام دولي أكثر توازنا مما هو عليه اليوم.

ت. المستجدّات في دول البريكس عموما

تتعرّض بعض دول البريكس إلى ضغوط داخلية بتشجيع أميركي واضح لإضعاف ذلك التكتّل وبغية لإخراجها منه. لكن تلك التطوّرات لم تؤد حتى الآن إلى خروج تلك الدول عن مجموعة البريكس كما تبيّن من القمة رؤساء تلك الدول التي عقدت في تشرين الأول/أكتوبر في مقاطعة غووا في الهند. فما زالت المجموعة ماضية في تطوير المؤسسات المشتركة لإرساء نظام دولي أكثر أنصافا وتماسكا مما هو عليه الآن بسبب سياسات الولايات المتحدة.

تشهد جنوب إفريقيا محاولات تغيير السلطة مستفيدة من إخفاقات وفضائح ارتكبتها الحكومة الحالية بقيادة الرئيس زوما. لم تفلح حتى الآن ولكن علينا أن نتوقّع المزيد من الضغوط.

أما في البرازيل فاستطاعت الثورة المضادة للتوجّهات التحرّرية بتنفيذ انقلاب دستوري أطاح بالرئيسة المنتخبة من الشعب. لكن المعركة السياسية لم تحسم فهناك استحقاقات انتخابية عام 2017. لم يقبل أنصار الرئيسة روسيف نتائج الانقلاب الدستوري الذي قاده رئيس مجلس الشيوخ تامر المدعوم من الولايات المتحدة والاوليغارشية البرازيلية وبالتالي قد تتطوّر الأمور إلى مشاغبات وعدم استقرار.
والدولة الثالثة الهند تشهد استقرارا سياسيا رغم التوترات المزمنة والمتصاعدة نسبيا مع جارتها باكستان. فالهند ماضية في إبرام اتفاقات مع روسيا للتوازن من الصين. حتى الآن كان تمسّك الهند بمجموعة البريكس حيث استضافت قمة تلك الدول في مقاطعة غووا. لكن قد تشهد الهند بعض التوترات الاقتصادية المالية بعد كشف محاولات تزوير للعملة الهندية ما أجبر الحكومة على السحب المفاجئ لقطع ال 500 و1000 روبية من التداول وما رافق ذلك من إرباك.

رابعا: النفط

ما زال السوق النفطي يشكو من فائض في العرض عن الطلب الفعلي. غير أن دول الأوبك في اجتماعها الأخير وصلت إلى قناعة حول ضرورة ضبط كميات العرض. هذا يعني أن الدولة المسببة لذلك الفائض في العرض، أي بلاد الحرمين، اقتنعت أن مصلحتها تكمن في العودة إلى ضبط إيقاع السوق وارتفاع أسعار النفط. نجحت الجزائر في الوساطة مع بلاد الحرمين حول ضرورة تخفيض ضخ النفط بما يعيد ارتفاع الأسعار والحفاظ على الواردات لتلك الدول. لم تتوصل دول الأوبك إلى اتفاق نهائي بل إلى توجهات قد تفضي إلى الهدف المنشود في المستقبل القريب.
خامسا: المستجدات الإقليمية

أ. تركيا

المستجدّ الأساسي في تركيا هو المحاولة الانقلاب الفاشلة. تعدّدت الروايات حول ملابسات المحاولة من أسباب ومسبّبين غير أنه في آخر المطاف ثبّتت موقع الرئيس التركي اردوغان على حساب خصومه السياسيين. استفاد من المحاولة الفاشلة للقيام بعملية تطهير واسعة في مختلف مفاصل الدولة في الجيش والقوى الأمنية والقضاء والتربية والإدارة العامة. غير أن السيطرة الكاملة للرئيس لم تمنع تفاقم الوضع في شرق وجنوب شرق البلاد حيث الصراع مع الأكراد ما زال في حال تصاعد. الأزمة الكردية في تركيا دفعت الحكومة إلى انتهاج سياسة تسلّطية تجاه خصومه السياسيين تجسّدت في حملة اعتقالات واسعة شملت نواباً وصحفيين ولجم الاعلام التركي.

بالتلازم مع عملية التطهير الداخلي قامت تركيا بترميم علاقاتها مع روسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية. ليس من الواضح ما هي نتائج التفاهم المتزايد مع روسيا وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة إلاّ أنه زاد دور الروسي في المنطقة. المستقبل القريب سيكشف مدى جدّية التزام الرئيس التركي في المضي في التفاهم مع روسيا. وهنا يكمن السؤال المركزي: هل ستبقى تركيا ضمن منظومة الحلف الأطلسي؟ من المبكر جدّا الإجابة على ذلك ولكننا لا نرى مستقبلا لتركيا مع المنظومة الغربية بشكل عام والأميركية بشكل خاص. المستقبل لتركيا هو في اتجاه الشرق وفي توثيق العلاقة مع إيران وبلاد الشام وبلاد الرافدين على قاعدة الندّية والتكامل وليس على قاعدة التنافس والقوّامة. كذلك الأمر بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران. فالمشهد الميداني في هذه الدول قد يحسم الأمر.

أما على الصعيد الخارجي فوصلت السياسة التركية إلى حد العدوان المباشر على كل من سورية والعراق بحجة الحرب على الجماعات المسلّحة المنتمية إلى مجموعات التعصّب والتوحّش. والعدوان المباشر يتجسّد أيضا في استمرار الدعم العسكري واللوجستي لتلك المجموعات مما يثير نقاط استفهام حول أهداف تركيا. إحدى الدلالات عن يقين موقف تركيا نجده في طرح الرئيس التركي مسألة مراجعة اتفاقية لوزان حيث أعلن هدفه في “استرجاع” كل من حلب والموصل! فإعادة رسم الحدود وتقسيم سورية والعراق قد يكون الهدف الفعلي للسياسة التركية. قد تتناقض هذه التطوّرات مع ما عرضناه في الفقرة السابقة إلاّ أنه في آخر المطاف لا بد للتركيا من تستدرك الأمر وتعود إلى صوابها بعد مراجعة سياستها في بلاد الرافدين والشام، سواء مع الرئيس اردوغان أو غيره.

هذه السياسة العدوانية اصطدمت بمعارضة صريحة لكل من العراق وسورية وإيران وروسيا. أما الولايات المتحدة فمواقفها الملتبسة تجاه أكراد سورية ودعمهم في المحاربة المزعومة على داعش وللاستغناء عن التعاون والتنسيق مع كل من روسيا وسورية زادت من تعقيد الموقف الميداني والسياسي بالنسبة لتركيا ما سيجبرها عاجلا أم آجلا إلى القيام بمراجعة سياستها.

بالمقابل زاد التوتر بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بسبب المواقف القمعية للرئيس التركي تجاه المعارضة والاعلام التركي وبسبب دفع النازحين بكثافة تجاه دول الاتحاد. فتلكؤ الاتحاد في قبول تركيا في الاتحاد جعل اردوغان يغرق دول الاتحاد بموجات نازحين زعزعت التوازن والتماسك الداخلي فيها ناهيك عن الانهاك الاقتصادي والمالي. هذا مؤشر آخر حول ضرورة استدارة السياسة التركية نحو الشرق والقيام بمراجعة سياساتها فيه.

ب. الجمهورية الإسلامية الإيرانية

استطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران فكّ عزلتها الدولية بعد توقيع الاتفاق النووي. لكنها لم يتم رفع العقوبات الأميركية عنها كما لم تستلم الأرصدة العائدة لها والمجمدة في المصارف الغربية والأميركية. هناك التباس حول قيمة المبلغ الذي تمّ تحريره ولكن الحكومة الإيرانية نفت استلامها أي مبلغ.

أما بالنسبة لدول مجلس التعاون بشكل عام وحكومة الرياض بشكل خاص فما زالت العلاقات متوترة وباردة جدا. ليس حتى الأن من مؤشرات جدّية توحي بإمكانية حلحلة الوضع وإن كان البعض يبنى على التوافق المفاجئ في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية. فمن المعروف أن موقف حكومة الرياض كان معارضا لمجيء بالعماد عون إل الرئاسة مما يدّل أنه ربما حلحلة ما قد حصلت. لكن الاختبار الحقيقي قد يكون في اليمن والعراق وسورية.

الجمهورية الإسلامية منخرطة في الحرب في سورية إلى جانب التحالف السوري الروسي وحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي وغيرهم. أما في العراق فهناك التباس كبير حول الدور التي تقوم به. ليس من الواضح مدى تأثير الجمهورية الإسلامية على حكومة حيدر عبادي كما ليس واضحا ما تقوم به في العراق. المعلومات الوافدة لنا تفيد أن شرائح واسعة من العراقيين، وخاصة في جنوب العراق، تعبّر بشكل صريح عن تململها مما تُسمّيه بالتدخل الإيراني في الشؤون العراقية. كما أن هناك شرائح واسعة في وسط وشمال العراق أشد نقدا لدور إيران في بلاد الرافدين. في مطلق الأحوال لإيران دور كبير في المساهمة في ضرورة إطفاء النار الطائفية والمذهبية التي تدمّر العراق وتفيض إلى الدول المجاورة، إذا ما أرادت. فالفتنة في العراق تغذّي ذرائع جماعات التعصّب والتوحّش وحوارنا مع الجمهورية الإسلامية في هذا الموضوع ودورها في اليمن ودول مجلس التعاون ما زال قائما.

ت. الكيان الصهيوني

يعتقد قادة الكيان الصهيوني أن وضعهم الاستراتيجي في المنطقة مريح للغاية طالما الدول العربية منهمكة في الاقتتال الأخوي وطالما الانقسام الفلسطيني قائما. كما أن قادة الكيان تتباهى بالوفود المطبّعة من قبل عدد من دول الجزيرة العربية. لكن في المقابل يعاني قادة الكيان عزلة متزايدة على الصعيد الدولي كما تبيّن من قرار اليونيسكو في موضوع الحرم الشريف والادعاءات المزعومة له بحقوق وهمية فيما تُسمّيه جبل الهيكل حيث تقع أولى القبلتين أي المسجد الأقصى. كما لا بد من الإشارة إلى سلسلة من القرارات (عددها ثمانية) لصالح الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة حيث لم تفلح لا الولايات المتحدة ولا الكيان من عرقلة تمريرها. كما نشهد منذ فترة تحوّلات إيجابية في الرأي العام الأميركي تجاه فلسطين وسلبية تجاه الكيان الصهيوني. وهذه التحوّلات موجودة عند الشباب الأميركي بشكل عام وحتى عند الشباب اليهودي الأميركي. فالدعم المطلق للكيان الصهيوني لم يعد بدون قيد ولا شرط بل هناك تنامي في الانتقادات التي توجهها الجالية اليهودية في الولايات المتحدة للكيان الصهيوني. هذا لا يعني التخلّي عنه بل هناك صعوبة متزايدة لدى الكيان وعملاء الكيان في الولايات المتحدة في تسويق ادّعاءات حكومة الكيان داخل الولايات المتحدة.

لم تعد السردية المعهودة في الاعلام المهيمن مقبولة لدى شرائح واسعة من الجمهور الأميركي. وهذا ما يثير قلق المواقع ومراكز الأبحاث المؤيّدة للكيان الصهيوني. فمعهد بروكنز المرموق يتحكّم رجل الأعمال الأميركي الصهيوني حاييم صبّان بتوجّهات المعهد في الملفّات العائدة للصراع العربي الصهيوني. إلاّ أنه في إحدى نشراته اليومية الأخيرة ورد خبر عن استطلاع للرأي العام الأميركي حول الصفقة المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني المقدّرة ب 38 مليار دولار. أبرز الاستطلاع المذكور أن الأميركيين منقسمون حول جدوى تلك المساعدات وأن أكثرية الديمقراطيين يعتبرونها غير طبيعية. فبغض النظر عن التعليقات التي تصدر عن المعهد وعن مواقع أخرى مماثلة له فهذا اعتراف بالتراجع في التأييد المطلق للكيان. والانتقاد ليس محصورا في الجهة الديمقراطية فالنائب السابق الجمهوري رون بول اعتبر أن المساعدة العسكرية الأميركية للكيان في غير محلّها. فيعتبر أن دولة الكيان غنية بما يكفي وأن 38 مليار دولار يجب أن تُنفق على احتياجات أميركية التي تشكو من نقص في التمويل، خاصة وأن حالة الفقر في الولايات المتحدة تتفشّى يوما بعد يوم. إذن، هناك عمل تراكمي قد يصل قريبا إلى نقطة اللارجوع، أي في مراجعة الدعم الأميركي للكيان، على الأقل على الصعيد الشعبي.

الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة تتحسّس بشكل واضح في تراجع نفوذها بشكل عام وخاصة عند الشباب وفي الجامعات الأميركية. حركة مقاطعة المنتوجات والاستثمارات في الكيان الصهيوني المعروفة بحركة “بي، دي، أس” تقدمّت بشكل ملموس في الجامعات الأميركية مما حثّ مؤيدي الكيان إلى انتزاع تشريعات في الولايات لمنع تلك الحركة ووصفها بالمعاداة للسامية خاصة بعد خسارتها المعركة في كسب عقول وقلوب الشباب الأميركي. فالمعركة محتدمة وكما يقول فرانك لونز فإن الوضع عند الشباب الأميركي كارثي بالنسبة للكيان وتأييده.

الموضوع ليس مقتصرا على مجمل الجمهور الأميركي بل يشمل يهود أميركا. ففي مقال في مجلّة “فورين بوليسي” في آذار/مارس 2016 يتساءل الكاتب بروس ستوكس إذا ما بدأ يهود أميركا يبتعدون عن الكيان. وقبل ذلك طرحت الصحيفة الصهيونية هآرتس ت نفس السؤال وسألت لماذا يبتعد الأميركيون اليهود عن الكيان؟ كذلك الأمر في مجلّة “موزايك مغازين” في عددها بتاريخ 4 نيسان/ابريل 2016. فمهما تعدّدت الأسباب في مختلف المقالات والتحليلات فالنتيجة واحدة.

وأخيرا لا بد من الإشارة أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة مني بهزيمة ثانية على التوالي في دعم المرشّح الخاسر لدى الرئاسة مما يشير أن نفوذ اللوبي مقتصر على النخب الحاكمة والاعلام فقط ولا تواصل يذكر مع القاعدة الشعبية.

ث. قمة غروزني

حدث ملفت حصل مؤخرا لم يلتفت إليه الاعلام العالمي ولا حتى الاعلام العربي بالشكل الوافي والمطلوب. هذا الحدث هو القمة الإسلامية التي عقدة في مدينة غروزني في مقاطعة شيشانيا. من أهم القرارات التي صدرت عن تلك القمة، وبحضور شيخ الأزهر، هو رفض اعتبار الوهابية من الفرق السنّية. تداعيات هذا القرار في غاية الأهمية لأنها تنسف قاعدة سياسة بلاد الحرمين في سعيها للسيطرة على العالم الإسلامي بقوة المال والترهيب. فإذا ما كتب لقرارات هذه القمة الحياة فهذا يعني إعادة الاعتبار لإسلام الأزهر ولإسلام الشام مقابل إسلام بلاد نجد. هذا يعني أن القاعدة الفكرية التي تستند إليها جماعات التعصّب والتوحّش والتي شوّهت صورة الإسلام عند المسلمين أولا وفي العالم ثانيا، هذه القاعدة فقدت مرتكزا أساسيا يعطيها نوعا من الشرعية في السجال الإسلامي - الإسلامي.

ج. جماعات التعصّب والتوحّش

المعلومات المتوفرة تفيد أن رقعة الانتشار الجغرافي لهذه الجماعات في انحسار كبير إثر العمليات العسكرية في كل من العراق وسورية. لكن إذا ما كانت المواجهة العسكرية والأمنية مع هذه الجماعات شرط ضرورة إلاّ أنها لا يمكن أن تكون شرط كفاية. فالمطلوب هو إلحاق الهزيمة السياسية لنهج تلك المجموعات كما المطلوب هو المواجهة الفكرية والثقافية لها. فمهما تقاطعت مصالح الكيان الصهيوني وأعداء الأمة مع هذه الجماعات إلاّ أنه من الخطأ اعتبارها تابعة لها. إن الهزيمة العسكرية القادمة لهذه المجموعات لن تنهي وجودها السياسي والفكري ما لم يتم مواجهتها على الصعيد الفكري والسياسي، وتوسيع نهج المصالحات الوطنية الشاملة، واعتماد سياسات تضميد الجراح في الأقطار المعنية. من هنا أهمية قمة غروزني التي تفتح آفاقا جديدة للمواجهة الفكرية والسياسية.

سادسا: المستجدات العربية

أ. فلسطين

نقطتان أساسيتان في المشهد الفلسطيني إحداهما سلبية والثانية إيجابية. فالنقطة السلبية تكمن في استمرار الانقسام الفلسطيني على صعيد الفصائل والنخب الحاكمة. من الصعب للمواطن العربي المستاء من هذا الانقسام أن يتفهم استمراره الذي يعطي للعدو المحتل ولحلفائه الذريعة المطلوبة للاستمرار بالتوسع والقمع للشعب الفلسطيني.

النقطة الإيجابية تكمن في حيوية الشعب الفلسطيني وخاصة عند أبناءه من صبايا وشباب. شهادة الرئيس الشهيد ياسر عرفات بقوة الشعب الفلسطيني (الشعب الجبّار) في مكانها ونحن نحي ذكرى استشهاده. هذه الحيوية تتجسد في الانتفاضة القائمة رغم انقسام الفصائل. استطاع الشباب والصبايا تجاوز الترهّل في القيادات للقيام بهذه الانتفاضة التي تختلف بحجمها ونوعها عن الانتفاضتين السابقتين. وسائل التواصل الاجتماعي سلاح استراتيجي في عملية التعبئة والتنظيم لم تستطع أجهزة الكيان وحلفائه في تحييد الحراك. المواجهات المستمرة في حرم المسجد الأقصى دليل على حدود القوة الصهيونية. وسلاح الإضراب عن الطعّام لدى الأسرى، ليس أقلّ فعّالية من الصواريخ حيث قوته المعنوية تدمّر صورة الكيان. وسلاح السكاكين والحجارة والدهس سلاح شعب يقاتل بما لديه من إمكانيات ويسبّب الرعب والهلع عند المستعمر الصهيوني الذي لا يعرف كيف يواجه إلاّ بالمزيد من القمع وتشويه صورته. لكن هذه الانتفاضة ما زالت بحاجة إلى الإطار السياسي الذي يرافقها ويدعمها. فمحور العمل السياسي المطلوب هو مواكبة تلك الانتفاضة ودعمها.

لا بد هنا من ذكر تطوّرين ميدانيين في غاية الأهمية. التطوّر الأوّل هو النبأ عن إسقاط طائرة للعدو الصهيوني كانت تحاول اختراق الأجواء السورية. تكتّمت حكومة العدو ولكن إعلامه أفصح عنه. هذا يعني أن منظومة الدفاع الجوّي التي نشرت في سورية أصبحت فاعلة وفعّالة وساهمت في تغيير قوانين اللعبة. أما الحدث الثاني هو نبأ إسقاط طائرتين للعدو الصهيوني كانتا تحلّقان في سماء غزّة والذي أدّى إلى مقتل أحد الطيارين وجرح الآخر. هذا يعني أن المعادلة تغيّرت أيضا في المواجهة مع المقاومة في غزّة.

ب. العراق

استعادت الحكومة العراقية مناطق عديدة من سيطرة داعش وخاصة في غرب العراق وهي على وشك استرجاع الموصل مع قوى البشمرجة والتحالف الأميركي الذي يشوبه الكثير من الالتباس. فالإدارة الأميركية غير مرتاحة بل معارضة لتواجد الحشد الشعبي إلى جانب القوات العراقية كما أن الحشد الشعبي وأطرافا عديدة تشكّك في جدوى الوجود الأميركي ونيته في القضاء فعليا على داعش وليس حصره في شرق سورية. وتزداد الأمور تعقيدا مع تدخلّ القوات التركية على المسرح العراقي بغية القضاء على داعش نظريا ولكن بالفعل ليكون له دور في مستقبل العراق وخاصة فيما يتعلّق بالموصل وريفه. والتدخّل التركي جاء بغطاء أميركي وبرفض واضح للحكومة العراقية. والسؤال المطروح ما هو مدى التنسيق بين القوى المتحالفة ضد داعش، أي الحكومة العراقية والجمهورية الإسلامية وسورية وروسيا من جهة والتحالف التي تقوده الولايات المتحدة من جهة أخرى؟

هناك تواجد مجدّد للقوّات الأميركية في العراق على الأرض كما في الجوّ بحجة محاربة داعش. لكن هناك شكوك حول الهدف الفعلي لذلك التواجد الذي برّره دعوة حكومة حيدر العبادي الإدارة الأميركية لمساعدة القوّات العراقية في مواجهة داعش. ليس من الواضح ما هو موقف الحكومة العراقية الفعلي تجاه الدور الأميركي في العراق كما ليس من الواضح موقف الجمهورية الإسلامية في إيران تجاه عودة/استمرار الوجود الأميركي العسكري في العراق.

بالمقابل هناك ملاحظات عديدة حول معلومات عن سلوك الحشد الشعبي فيما يتعلّق باضطهاد مكوّنات من المجتمع العراقي سواء على الصعيد الطائفي والمذهبي أو على صعيد المكوّنات السياسية وخاصة تجاه حزب البعث، وقوى إسلامية ووطنية خارج العملية السياسية. والسلوك الملتبس هذا يعزّز الشكوك تجاه دور الجمهورية الإسلامية التي تدعم بقوة عناصر أساسية من الحشد الشعبي مما يعقّد الأمور تجاه إجراء مصالحة عامة في العراق بعد العملية السياسية التي تلت الاحتلال الأميركي. كما أن تدخل بعض دول الجزيرة العربية في الشأن الداخلي العراقي يعزّز التوتر الطائفي والمذهبي وكأن الهدف المشترك لدول الجوار جعل العراق دولة ضعيفة، وهذا ما يؤكّد صحة ما سبق للمؤتمر أن أعلنه في بيان دورته ما قبل الأخيرة يرفض سلوك التنظيمات الإرهابية والميليشيات الطائفية.

أخيرا لا بد من الإشارة إلى موجة الاحتجاجات ضد الفساد القائم داخل النخب الحاكمة في العراق. فهذه الاحتجاجات الشعبية الضخمة تنذر بانفلات الوضع إن لم تقدم الحكومة العراقية على تلبية المطالب الشعبية. ولكن السؤال هل تستطيع الحكومة الحالية ضمن موازين القوة الداخلية والخارجية بفرض حكم القانون؟ كما ما هو مدى حرّية التحرّك ضمن التجاذبات الإقليمية والدولية؟

ت. سورية

استعادت الدولة السورية مناطق عديدة من سيطرة جماعات التعصّب والتوحّش ومعها تحالف يضم القوّات الروسية وقوّات حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي ومجموعات من الحرس الثوري الإيراني وآخرين. وعلى ما يبدو فإن الحلّ السياسي الذي كان يُعمل عليه بمبادرة من روسيا والتفاهم مع الولايات المتحدة لم يكتب له النجاح حتى الآن لأن هناك في الإدارة الأميركية من لا يريد ذلك. فكانت الغارة الأميركية على مواقع الجيش السوري في دير الزور الذي تلاه تقدم لقوات داعش في المنطقة. فكان واضحا أن أطرافا أميركية لم تكن راغبة في تثبيت الاتفاق الذي قد تمّ بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة. وهناك داخل الإدارة الحالية الأميركية من يعمل ويجهد لتغيير النظام في سورية وبالتالي لا يريد الحرب الجدّية على الجماعات المسلّحة التابعة لمجموعات التعصّب والغلو.

أما على الصعيد الداخلي فتبذل الدولة السورية جهودا لاحتواء المسلّحين واسترجاع ما يمكن منهم إلى كنف الدولة. فالمصالحة التي أنجزت في عدد من المواقع في الغوطة ومحيط دمشق وحمص دلالة على رغبة الدولة في ترسيخ المصالحة خاصة وأن المزاج الشعبي أصبح يتوق إلى عودة الدولة، وإلى بسط وجودها في المواقع التي استولى عليها المسلّحون.

ما زال دور الدول المتورّطة في الحرب الكونية على سورية يشكّل عائقا لوقف القتال والنزيف البشري. فلا تركيا ولا بلاد الحرمين ولا قطر ولا الإمارات أبدت رغبة في الكف عن التورّط في القتال. غير أن المشاكل التي تواجه كل من تركيا وبلاد الحرمين قد تفرض مراجعة أكثر واقعية للمشهد.

أما على صعيد المواجهة مع الكيان الصهيوني فإن نبأ إسقاط الطائرة الصهيونية التي كانت تحاول خرق الأجواء السورية يدّل أن قوانين اللعبة قد تغيّرت وأن الكيان قد يواجه قوّة رادعة لم تكن في الحساب.

من هنا تكتسب المعركة الدائرة اليوم في حلب أبعادها الحاسمة في مجرى الصراع على سوريا وفيها.

ث. الأردن

ما زال الأردن متورطا في الحرب على سورية عبر وجود غرفة العمليات المشتركة بين الولايات المتحدة وبلاد الحرمين والقوى المتحالفة معها. كما أن الأردن يجهد في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني عبر صفقة الغاز المبرمة. وأخيرا كان اغتيال المناضل ناهض حتر تحت أعين الأجهزة الأمنية والقضائية الأردنية تزيد من الشكوك حول موقف الأردن من الحرب على سورية والانتفاضة الفلسطينية.

ج. اليمن

ما زال اليمن يتعرّض لعدوان عبثي غير مبرّر أدى وما زال إلى تدمير البنية التحتية. وجاءت مفجعة صنعاء لتصبح نقطة تحوّل في معركة كسب رأي العام العربي والدولي ولذلك لمصلحة القوى اليمنية التي تتصدّى للعدوان.

على الصعيد السياسي هناك جهود لتشكيل ما يوازي مجلس وطني يضم مروحة واسعة من القوى السياسية في اليمن قد تشكّل قاعدة لحل سياسي بعدما تعثّرت جهود المندوب الأممي في جمع الأطراف المتنازعة. وهذه الجهود تحاول إعادة الحياة لعجلة الإدارة رغم استمرار عمليات القصف.

أما على الصعيد الميداني فلا تقدّم يذكر سواء توغّل القوات اليمنية على المناطق الحدودية الشمالية مما ينقل القتال البرّي إلى داخل الجزيرة. فالتفوّق العسكري الجوّي لقوى التحالف يلاقيه تصدّ كفؤ في البر مما يلغي قيمة التفوّق الجوّي في إحراز أي تقدّم ميداني يؤدّي إلى حلّ سياسي.

ح. الجزيرة العربية

المستجّد عند حكومة الرياض هو تداعيات النزيف المالي الذي سبّبته الحرب على اليمن والمتلازم مع الانخفاض الحاد لأسعار برميل النفط والصراع الداخلي بين أجنحة الأسرة الحاكمة. فالحكومة تواجه عجزا في الميزانية أدّى إلى سياسة تقشّف حادة قد تكون ارتداداتها الاجتماعية سلبية على استقرار الجزيرة.

أما على الصعيد السياسي فما زالت حكومة الرياض مستمرّة في سياستها تجاه كل من الجمهورية الإسلامية في إيران وتدخّلها إلى جانب جماعات التعصّب والتوحّش في سورية الذين استلموا مؤخرا أسلحة نوعية متطوّرة لإطالة النزيف في سورية رغم التطوّرات الميدانية المعاكسة لتطلّعات حكومة الرياض. كما أن حكومة الرياض كانت تراهن على تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية عبر دعمها لحملة هيلاري كلنتون التي فشلت في الوصول إلى البيت الأبيض. فماذا يدور في عقل الأسرة الحاكمة بعد اليوم؟ هذا ما سنكتشفه في الأسابيع المقبلة بعد انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

لكن من الواضح أن حكومة الرياض ستضطر إلى مراجعة سياساتها في المنطقة إذا ما أرادت الحفاظ على قدر مقبول من النفوذ. قد تكون أول الإشارات لهذه المراجعة عدم اعتراضها على حل أزمة الشغور الرئاسي في لبنان الذي أدّى إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وتسمية الرئيس سعد الدين الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة. أما المؤشر الثاني فهو الموافقة على وساطة الجزائر في ضرورة تثبيت سوق النفط عبر مراجعة سياسة إغراق السوق. وما سيعزّز ضرورة المراجعة توتّر العلاقات مع مصر حيث وصلت إلى درجة قطع امداد مصر بالمشتقات النفطية.

خ. دول مجلس التعاون الخليجي

تتأثر دول مجلس التعاون الخليجي بنسب متفاوتة بحكومة الرياض. فالأزمة في البحرين مستمرة مع عناد السلطة في رفض إجراء إصلاح سياسي يلبّي مطالب الشعب البحريني. ما زالت المعارضة السلمية مستمرّة رغم إجراءات القمع المدعومة من حكومة الرياض.
أما في الكويت، فهناك تغيير حكومي قد يؤشّر بتغيير سياسي تجاه القضايا الداخلية والخارجية.
في قطر ما زالت الحكومة مستمرّة في دعم الجماعات المسلّحة في سورية وليبيا.
في الإمارات هناك تململ من الاستمرار في العمل العسكري في اليمن.
أما سلطنة عمان فما زالت تبذل جهودا لحل الأزمة اليمنية دون أن تلاقي تجاوبا من حكومة الرياض.

د. مصر

المستجد في مصر هو التقارب من روسيا والصين على الصعيد الدولي ومن سورية على الصعيد العربي. فالتقارب مع سورية قد يبشّر باستعادة مصر لدورها العربي وإعادة الاستقرار والتوازن في المنطقة.
كما يرافق ذلك توتر في العلاقات مع بلاد الحرمين أدّى إلى قطع إمداد مصر بالمشتقات النفطية. كما أن القضاء المصري أبطل قرار التنازل عن جزيرتي صنيفر وتيران وسط موجة اعراض شعبي وإعلامي على التنازل.
الوضع الاقتصادي ما زال مقلقا وسيستمر طالما الأزمة السياسية والأمنية الداخلية لم تحل. وفي غياب أي مبادرة جدية لمصالحة وطنية مصرية شاملة.

ر. ليبيا

ما زال الوضع في ليبيا ملتبسا رغم الجهود التي تبذل لإيجاد حكومة تستطيع بسط سيطرتها على البلاد. كما أن الجماعات المسلّحة ما زالت تحظى بدعم بعض الدول الخليجية ما يعزّز عدم الاستقرار.
على صعيد آخر فإن التقارب بين قوات حفتر القريب من بعد الدوائر الأميركية ومصر يؤكّد أن مصر معنية بشكل مباشر في ليبيا وقد تؤثّر على إيجاد الحل السياسي.

ز. لبنان

التطوّر الأساسي في لبنان هو انتخاب العماد ميشال عون إلى الرئاسة منهيا شغورا استمر أكثر من سنتين. انتخاب العماد عون رئيسا وتسمية الرئيس الحريري لتشكيل الوزارة له دلالات عن تغيير في موازين القوى دوليا وإقليميا وعربيا لمصلحة تثبيت الاستقرار في لبنان.
لكن بالمقابل فإن الملفّات الداخلية العالقة في منتهى التعقيد كما أن حالة الخدمات العامة في أسوأ حالها وتنذر بانفجار اجتماعي إن لم تتداركه الحكومة الجديدة المرتقبة.

س. تونس

تستكمل تونس عملية الانتقال إلى حالة سياسية مستقرّة نسبيا رغم محاولات نسف الاستقرار من قبل الجماعات المتشدّدة. كما أن الصراع على هوية تونس مستمر بين نزعة فرنكوفونية ونزعة عروبية.
المستجد على الساحة السياسية هو القرار الذي اتخذته قيادة حزب النهضة بفصل العمل السياسي عن العمل الدعوي بما له من ارتدادات على مستقبل حركات الإسلام السياسي.

ش. الجزائر

دور الجزائر في لجم توجّهات التطبيع في مؤتمر القمة العربية كان ملفتا. كما أن دور الوساطة مع بلاد الحرمين في عقلنة السوق النفطي عبر تخفيض سقف الإنتاج يساهم في تقريب وجهات النظر بين القيادات العربية. وما زالت الجزائر تقف ضد العدوان على سورية وثابتة في مواجهة جماعات التعصّب والتوحش.
على الصعيد الداخلي فيوجد تململ عند شرائح واسعة من الشعب. لكن هناك قناعة عند جميع المكوّنات في ضرورة الحفاظ على الهدوء ونبذ العنف كما هناك رفض مطلق لأي تدخّل أجنبي. التغييرات الأخيرة في قيادة جبهة التحرير الوطني تهدف إلى معالجة التململ وفقا للثوابت المذكورة.
ص. المغرب
الاحتجاجات الأخيرة تؤكد على ضرورة المضي بالإصلاحات الداخلية وإلا سيغرق المغرب في أتون اضطرابات يصعب ضبط إيقاعها ويهدّد استقرارها.

أما على صعيد الصراع العربي - الصهيوني ما زال موقف الحكم من التطبيع ملتبسا حيث من حين إلى حين نشهد وجود وفود صهيونية تشارك في مؤتمرا كمؤتمرات البيئة الذي عقد مؤخرا في مدينة مراكش. وجوبه بمعارضة وطنية شعبية واسعة.
ض. موريتانيا

استضافت موريتانيا القمة العربية الأخيرة رغم محاولات التشويش عليها. قرارات القمة التي أكدّت مرّة أخرى مركزية القضية الفلسطينية كانت الرد السياسي على محاولات التطبيع لبعض الدول العربية التي غاب قادتها عن القمة. يسجّل للدولة الموريتانية إصرارها على إصدار قرارات حول ضرورة الحل السياسي في كل من سورية واليمن. ورفضها تبني قرارات وزارية عربية باعتبار حزب الله منظمة إرهابية
كما لا بد من تسجيل موقف الشعب الموريتاني في رفضه للتطبيع مع الكيان الصهيوني التي تحاول بعض الدول العربية تمريرها.
ط. السودان ودول القرن الإفريقي

ما زال السودان يعاني من تداعيات انفصال الجنوب كما أن جنوب السودان غارق في صراعات داخلية دامية.

ظ. دول القرن الإفريقي

ليس هناك من مستجدّات تذكر تتعلّق إما بملف الأزمات الساخنة أو بالصراع العربي الصهيوني.
لكن لا بد من الإشارة أن الأزمة بين اريتريا واثيوبيا مستمرة وأن الصدام العسكري قائم خاصة بعد مقتل 200 مسلّح اثيوبي درّبهم الكيان الصهيوني. كما هناك معلومات تفيد أن الولايات المتحدة على استعداد للتدخّل العسكري في اريتريا لترويض شعبها المتمسّك باستقلاليته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2182655

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع زياد حافظ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2182655 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40