يحق لأي طفل فلسطيني أن ي سخر من قرارات «إسرائيل» وإجراءاتها الرامية إلى شطب كل ما هو فلسطيني الهوية والرائحة في الأراضي التي احتلتها عام 48، وفي القدس بشطريها. كل فلسطيني، طفلاً كان أم مسنّاً، يعرف أن كل مَعْلَم في بلاده يتنفس بالفلسطيني ويغني بالعربي، مهما بلغت حَمْيَة التهويد والعبرنة. هكذا أخبر عمي العجوز حين عاد من رحلة في ربوع مناطق النكبة متحسّراً ومغرورق العينين.
كُتب الكثير عن غسان كنفاني (1936 - 1972) الذي رحل دون الأربعين في بيروت عشيّة الحرب الأهليّة، يوم كانت المدينة مختبراً للحداثة العربيّة، وبؤرة الصحوة القوميّة والاجتماعيّة والإنسانيّة. وهذه الأيّام إذ يحيي الشعب الفلسطيني، ومعه العالم العربي، ذكرى استشهاده الأربعين (8 تمّوز/ يونيو)، هل بقي شيء جديد يمكن قوله عن ذلك المبدع الرائي؟
لم يتبق على مشهد توظيف «سلطة العار» أية إضافات أخرى، ربما باستثناء وظيفة الغفران للصهاينة عن جرائمهم المشهودة وعن جرائمهم الآتية، هذا هو ما ينجلي عن الوقوف على تفسير دعوة رئيس سلطة العار محمود عبّاس لشريكه موفاز إلى مقاطعة الشهيد ياسر عرفات بحجة البحث في أسباب عدم دوران وظيفة «سلطة العار» الأقدم على هذه الأخيرة، وهي وظيفة سحب توصيف العدوان المستمر عن وجه العدو القبيح في هذا العالم باعتباره لا زال احتلالاً وعدواناً ومطمطتها بحجة التفاوض والمفاوضات والمفاوضين.
ليس هناك قاتل افتراضي في جريمة اغتيال عرفات، فمنذ عاد عرفات من (كامب ديفيد)، كان يعرف، وكان الفلسطينيون يعرفون، بأنه (سيُقتل)، لأنه لم يوقع على التنازل عن (نصف) القدس المتبقي في يد الفلسطينيين، ولم يتنازل نهائياً عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وبوضوح لا يقبل اللبس، ولأنه، وهو في حضن الاحتلال أسيراً، شجع على تأجج انتفاضة الأقصى ظناً منه أن العدو، وأمريكا، سيجريان حساباتهما طويلاً قبل أن يقررا اغتياله.
لم يعد شكاً أو اعتقاداً، بل توفر البرهان أو يكاد: لقد قتل «الإسرائيليون» ياسر عرفات. والمأمول ألاّ يستمر التواطؤ الدولي الذي مكَّن هؤلاء من قتله، فيُعمل على طمس الأدلة وتزوير التحاليل، كما جرى حتى اليوم. والمأمول أن تخرج السلطة من جبنها أو تواطئها، فلها مصلحة بالمعنى المباشر في توضيح الموقف. ولكن هذه تفاصيل. فانكشاف هذا الفصل من الحدث يستدعي أسئلة سياسية بالأساس. ويستدعي مراجعة لدور الرجل في سياق المسار الطويل للقضية الفلسطينية، بالقياس الى ما قُطع من ذلك المسار، كما الى الجزء الذي ما زال متبقياً.